4
ومهما يكن من أمر، فقد أخذ التتار بغداد، وقتلوا أكثر أهلها حتى الخليفة، وانقضت دولة بني العباس منها، وأزالوا معالم الحضارة والثقافة الإسلامية، وكان لذلك كله أكبر الآثار في حياة مصر والشام وسائر بلاد الإسلام. ونكتفي هنا بالكلام عن الناحية السياسية وحدها.
ليس علينا أن نتتبع التتار في معاركهم في الشرق حتى كفى الله شرهم وارتدوا على أدبارهم، ولكن نتعرض فحسب إلى مجيئهم بجموعهم إلى الشام ومحاولتهم امتلاك هذا القطر أولا ثم مصر ثانيا، ثم إلى ما كان من قيام الخلافة بمصر بعد بغداد.
في سنة 658 صار ملك العراقين وخراسان وغيرها من بلاد الشرق للسلطان هولاكو ملك التتار، فأصبح الطريق مفتوحا أمامه إلى الشام، فبادر إليها بجيوشه عابرين الفرات، وما لبثوا أن ملكوا حلب ثم دمشق، وجاسوا خلال الديار، وقد ملأ الرعب قلوب الأهلين بعد أن وصل التتار إلى غزة في طريقهم إلى مصر كنانة الله في أرضه.
وأرسل هولاكو رسله إلى مصر بكتاب يهدد فيه الملك المظفر قطز تهديدا بالغا بدأه بقوله: «من ملك الملوك شرقا وغربا»، وفيه يقول له: «فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تأويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص!»
ولكن الملك المظفر لم ينخلع قلبه من هذه الرسالة، وأعد للأمر عدته مستعينا بالله الذي ينصر عباده المؤمنين به حق الإيمان، وذلك أنه - كما يذكر ابن كثير - لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام، وأنهم عازمون على الدخول إلى ديار مصر، بادرهم قبل أن يبادروه، فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إلى الشام.
ثم التقى الجمعان بالشام على «عين جالوت»، وكان قتال شديد انتهى بنصر الإسلام وأهله انتصارا مبينا، وبهزيمة التتار هزيمة شنيعة وبفرارهم، فلحق بهم الجيش الإسلامي يقتلونهم في كل موضع ومكان.
ولما بلغ هولاكو ما صار على جيشه من المسلمين بعين جالوت، أرسل جيشا آخر يحاول استعادة الشام، فحيل بينه وبين ما يشتهون، ورجعوا إليه خائبين خاسرين؛ وذلك على يد الملك الظاهر بيبرس الذي خلف الملك المظفر، وكان ذلك بفضل الله وتضامن المصريين ومن عاونهم من أمراء الشام وأهله.
ويذكر المقريزي أن الملك المظفر، وقد عاين أن المسلمين زلزلوا زلزالا شديدا، ألقى خوذته على الأرض وصرخ بأعلى صوته: «وا إسلاماه (ثلاث مرات)! يا الله انصر عبدك قطز على التتار، وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، كان بعدها نصر الله المبين.»
ثم يقول المقريزي: «وأما التتار، فإنهم لما لحقهم الطلب إلى أرض حمص، ألقوا ما كان معهم من متاع وغيره وأطلقوا الأسرى، وعرجوا نحو طريق الساحل ، فتخطف المسلمون منهم وقتلوا خلقا كثيرا وأسروا أكثر. فلما بلغ هولاكو كسرة عسكره وقتل نائبه كتبغا، عظم عليه، فإنه لم يكسر له عسكر قبل ذلك، ورحل من يومه.»
Halaman tidak diketahui