5
وهكذا هزم الله التتار على أيدي المصريين ومن انضم إليهم من جند الشام من العرب وغيرهم، وأيقن التتار أن مصر لهم بالمرصاد، وأن قضاء الله هو الغالب، وأن العزة لله ورسوله وللعرب وللمؤمنين. •••
هذا عن الأثر السياسي الأول لسقوط بغداد بأيدي التتار، وإزالة الخلافة العباسية عنها، وكان الأثر الثاني هو إقامة هذه الخلافة بمصر بعد أن أصبحت مثابة للمسلمين ودرعا لهم، وستبقى كذلك بفضل الله إلى يوم الدين.
ظل منصب الخلافة شاغرا بعد قتل آخر الخلفاء ببغداد ثلاث سنين ونصف سنة، وفي هذه الفترة علا شأن مصر وبخاصة بعد وقوفها أمام التتار وردهم على أعقابهم مدحورين إلى غير رجعة.
وأحس القائمون بمصر من المماليك بضرورة العمل لإضفاء صفة «الشرعية» على ولايتهم وسائر تصرفاتهم، وكان من ذلك أن فكروا في إقامة خليفة بالقاهرة يستمدون منه سلطاتهم شرعا دون أن يتحيف ذلك شيئا من إمرتهم ونفوذهم، وقد تم لهم هذا على أيسر سبيل، وفرح الناس فرحا شديدا باحتضان مصر للخلافة والخلفاء الشرعيين.
وذلك بأن قدم إلى مصر سنة 659، في عهد سلطنة الملك الظاهر بيبرس، الأمير أبو القاسم أحمد ابن أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله، وهو عم الخليفة المستعصم الذي قتله التتار ببغداد، فخرج السلطان الظاهر إلى لقائه ومعه القاضي والوزير والعلماء والأعيان وآخرون من دونهم.
وفي الإيوان بقلعة الجبل أثبت الأمير نسبه بمحضر السلطان ومن معه، فبويع بالخلافة، وكان أول من بايعه شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، وتلاه السلطان والقاضي ثم الأمراء ومن إليهم،
6
ولقب «المستنصر بالله»، وضرب اسمه على السكة، وكتب ببيعته إلى الآفاق.
فلما كان يوم الجمعة بعد ذلك بأيام، ركب الخليفة إلى الجامع بالقلعة، وخطب على المنبر ذاكرا شرف بني العباس، ثم دعا للسلطان ونزل وصلى بالناس. وبعد بضعة عشر يوما ، في رابع شعبان من ذلك العام، ألبس الخليفة السلطان بيده خلعة توليته، وفوض إليه الأمور في البلاد الإسلامية، ولقبه بقسيم أمير المؤمنين، وقرأ فخر الدين بن لقمان رئيس الكتاب تقليد الخليفة للسلطان.
Halaman tidak diketahui