فإن الإسكندر، الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا، لم يملكها في هذه السرعة، إنما ملكها في نحو عشر سنين ولم يقتل أحدا، إنما رضي من الناس بالطاعة، وهؤلاء (أي التتار) قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه وأكثره عمارة وأهلا، وأعدل أهل الأرض أخلاقا وسيرة، في نحو سنة، ولم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم ويترقب وصولهم ...»
ثم يتكلم المؤرخ الثقة عن ديانتهم وبعض عاداتهم وتقاليدهم، فيقول: «أما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها، ولا يحرمون شيئا؛ فإنهم يأكلون جميع الدواب حتى الكلاب والخنازير وغيرهما، ولا يعرفون نكاحا، بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال، فإذا جاء الولد لا يعرف أباه.»
2
وليس فيما يقوله ابن الأثير وغيره من المؤرخين عن ابتلاء العالم، وبخاصة البلاد الإسلامية، بالتتار وما ارتكبوه من الفظائع وعظيمات الأمور، شيء ما من المبالغة، فإن زحفهم الجياش، ومدهم المتلاطم الأمواج، قد أوقع الرعب في العالم كله حتى للقارة الأوروبية، وبدل الناس جميعا من بعد أمنهم خوفا .
ونعتقد أن المؤرخ «جيبون» قد صدق حين يمثل لقارئه مدى ما أصاب العالم من ذعر ورعب بسبب موجات التتار أو المغول، وذلك بقوله: «إنها كانت أشبه بهزات الطبيعة العنيفة التي تغير وجه الأرض»، وحين يقول: «إن بعض سكان السويد، وقد سمعوا عن طريق روسيا نبأ ذلك الطوفان المغولي، لم يستطيعوا أن يخرجوا كعادتهم للصيد في سواحل إنجلترا؛ خوفا من المغول!»
3
سقوط بغداد وأثره
يذكر المؤرخون لسقوط بغداد وذهاب الخلافة العباسية من العراق، أو على الأقل لتعجيل هذا المصير الذي كان حتما مقضيا، عوامل مختلفة؛ منها ما وصلت إليه الدولة من الضعف والفرقة لعوامل لا ضرورة لذكرها هنا، ويكفي أن نشير إلى الصراع بسبب الجنس، والنزاع العنيف بسبب اختلاف العقيدة أو المذهب الديني، وانصراف بعض الخلفاء ورجالات الدولة إلى ضرب من الحياة أنساهم الواجب عليهم لأمة العروبة والإسلام.
ولكن إذا كان كل ذلك حقا، فهل من الحق أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة الرافضة، كان من تلك العوامل التي يسرت للتتار دخول بغداد أيضا؟ هذا ما يقرره كثير من المؤرخين، ومنهم ابن كثير الذي عاصر تلك الأحداث.
إنه يذكر في حوادث سنة 656ه أن وزير الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين، وهو مؤيد الدين محمد بن العلقمي - وهو من الرافضة - عمل لذلك بسبب ما كان من عداء وحرب بين أهل السنة وشيعته، «فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد ...» إلى آخر ما قال.
Halaman tidak diketahui