ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ...﴾، فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا ﷺ بالاقتداء بهم، وأمره ﷺ بذلك أمر لنا لأن أمر القدوة أمر لاتباعه كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة "المائدة"، وقد قدمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري: أن مجاهدًا سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في "ص" قال: أو ما تقرأ ﴿... وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ...﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ...﴾ فسجدها داود فسجدها رسول الله ﷺ، فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا ﷺ بالاقتداء بهم في سورة "الأنعام"، وعلمت أن أمره أمر لنا لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كان موفرًا شعر لحيته بدليل قوله لأخيه: ﴿... لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ...﴾ لأنه لو كان حالقًا لما أراد أخوه الأخذ بلحيته - تبين لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحية من السمت الذي أُمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية، وقد كان ﷺ كثيف اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة، والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق.
1 / 30