وإحسان الركوب والفروسية إنما هو بحُسْن القعود في السَّرج والثبات، وتعديل العِنان، واستواء الغَمْز، واستعمالِه في موضعه بمقدار حيثُ يحتاج إليه، ويضطر له. فليكن جلوسُه مُسْتويًا مُنتصبَ الظهر معتدلَ المنكِبِيْن، لا منحنيًا، ولا مُسْتلقيًا، ولا متصدِّرًا، ولا منحدبًا، بل معتدلًا فإذا أحكم الجلوس هكذا فليلزم بفخذيه دَفتي السَّرج، ويطول فخذيه، ويسوَّر رجليه في الركابين ويلزمها صدورهما، ولا يفتحهما ولا يؤخرهما.
وليس بالفارس أقْبَحَ من تأخير رِجليه، وليقدمنَّهما ولا يفُرط. والقدْرُ الذي يُستحسن من ذلك أن يكاد الراكب ينظر إلى أطراف أصابع رجليه إذا استوى.
وأصل الركوب التمكنُ، وبَسْط الفخذين وتطويلهما، واللزوم بهما وإرخاؤهما على السرَّج.
وجُلُّ الفرسان يرَوْن حُسن الركوب على الفخِذَين، والاعتمادَ على الركابين، وذلك أثبت له، وبه يكون الراكب كالقائم. وليعتن بتمكن صُدور قدميه في الركابين، ويعتمد على الأيمن أشدَّ يسيرًا عند العمل بالرمح. وللرامي أن يعتمد على الأيسر أشدَّ يسيرًا.
وقد تقدم ذكر تسوية العِنان، فليتفقَّدْهُ بعناية أكيدة شديدة، فإنه نَفْسُ الفروسية ومِلاكها، وأصلها وفروعها. وليتحفظ به، فهو الميزان الذي لا يحتمل الرجحان، وله حساب لا يقف على حقيقته إلا الحاذق الطَّبْع.
وليكن وَزْنُه في ذلك تعديلَ رأس الفرس به. وإن يجَدَ الفَرَسُ مسَّ اللحام وطعمَهُ أبدًا، حتى يعلم أن فارسه أبدًا لا ساهٍ ولا غافل عنه. ولو لم يكن ذلك إلا مخافة العِثار أن أصابته هَنَة فَيُمسكه باللجام. وأيضًا فإن إرْخاء العِناَن بإفراطٍ يعوَّدُ الفَرَس أن يَرْكب رأسه ويحكم نَفَسْهَ، فلا يستقيم ركوبه.
ولا ينبغي أن يدفع الفرس للجري وهو يُمسك العِنان ويجذبه، فإنه لا يدري الفرس أنَّ الجري يُرادُ منه. ولا يفرط في إرساله، فيختلط الأمر عليه وَيقْلقَ ولكن بين ذلك إمساكا معتدلًا. ولأَنْ يملك الفارسُ رأسَ فَرَسِهِ أوفقُ له وأحْسَنُ.
وقد تقدم تدريج السَّير من المشي، إلى الخب، ثم إلى التقريب، ثم إلى العَدْو. وسيأتي شرحُ هذه الألفاظ في بابها على الترتيب إن شاء الله تعالى.
ومن اضْطرَّ إلى الركوب على السَّرج وهو دُون حِزامِ، فليأخذ الركاب اليمن بيده اليسرى، ويجذبه على مجرى اللَّبَبِ جذبًا شديدًا، ويضع رجله اليسرى في الركاب الأيسر، ويأخذ بيمينه القرَبَوس مع العِنان ثم يركب.
ومن اضْطُرَّ إلى الركوب مع الرَّديف فلُيُمْسِك العِنان كما تَقَدَّمَ، ويضع رجله اليسرى في الركاب الأيسر، ويأخذ طاق القربوس بيده اليمنى، ثم ليَشِلْ نفسه ويشق برجله اليمنى السَّرج فيركب وإذا أخذ العِنان بيده اليمنى مع طاق القَربُوس فلا بأس بذلك أن أحتاج إليه، وللضرورات أحكام بحسب أحوالها الحاضرة؛ فليتناول الرَّجُلُ منها أحسن ما يمكنه، ويَقْدر عليه من التناول، بعون الله تعالى.
الباب الحادي عشر
المسابقة بالخيل والحلبة والرهان
كانت العربُ تخاطر على سباق خيلها، وتسمىَّ ما تجعله للسوابق خَصْلًا، ورهانًا، وتضُعُه في طَرَف الغاية التي تجري إليها، على رأس قصَبة من قصَب الرماح. وهو قولهم في المثل: حاز قَصَبَ السَّبْق، وإنما يعْنوُن هذا وتسمى أيضًا الغاية: المَدَى، والأَمد.
ومنه قول النابغة:
سَبْقَ الَجوادِ إذا اسْتَوْلى على الأَمَدِ
وتُسمَّى موضعَ الجري المِضْمارَ.
ثم جاء الإسلام فأبقى من أفعالها في ذلك ما فيه تنبيه للأمة، وعونٌ على شرف الهمة. فسابق النبي ﷺ، وأَجْرى الخيل) التي ضُمِرّت (من الحفياء إلى ثَنِيَّة الوداع، وبينهما ستة أميال. وأَجْرى الخيل التي لم تضمَّر من الثنيَّة إلى مسجد بني زريق، وبينهما ميل.
وقال ﵊:) إن الملائكة لا تَحْضُرُ شيئًا من لَهْوِكم إلا الرهانَ والنَّضال (.
وعَن أبي هُريرةَ أنه ﷺ وقال:) لا سَبَقَ إلا في خُفٍ أو حافر أو نَصْل (.
وقيل لأَنس بن مالك: أكان رسول الله ﷺ يُراهِنُ على الخيل؟ فقال: أي والله! لقد راهَن على فرس له يقال له) سَبْحة (فَسَيق، فبهج بذلك وأعْجبَ.
1 / 32