ومن أراد التفرس على السَّرج، فالمستحب له أن يتخيرَّ سَرْجًا متسعًا ليتقلب فيه كَيف شاء، لا سيما لمن أراد التعلم، فالمتسع أوفق له من الضيق. وليكن وثيق الخشَب، واسعَ المجلس، لاطِئَ القَرَبُوس والمؤخرة، ويكون لبَبُهُ وثيقًا من جلدٍ حسن الدباغ يدور بالسَّرج، وحزامٍ كذلك وثيق، قال ابن حِزاَم: وحزامان خير من حزام واحد، وهو أحب إليَّ، ورِكاَبَيْن معتدلي الوزن والتقدير والحًلقِ، لا بالواسعة ولا بالضيقة، وثقلهما خيرٌ من خفتهما. وبُوثَق من سَيْر الركابَيْنِ والأَبازم، ويتفقد مقدار طولها وقصرهما ليكونا سواءً؛ وبقدر الحاجة في الطول والقِصَر. وإن يكونا إلى الطول يسيرًا أحسن من أن يكونا إلى القِصَر، فأنه إن قُصر الركابان ربما أنقطع الفارس من سَرْحه عند وَثْب الفَرس وعند جذبه في الجري، فلا يأمن السقوط، لا سيما أن راغ الفرس أو شَبَّ.
ولكل رِجْل فيهما حدُّ ينتهي إليه ويُقدُّ عليه كأثواب اللباس والخِفاف وغيرها، من تعدى حدَّه، وفارق قدًّه ثقل عليه ملبوسه، وتعذر قيامُه فيه وجلوسه.
فالذي يصلح من ذلك أن يعتمد على مقعدته في مقعد سرجه، مع انبساطه ساقيه، واعتماده على ركابيه حتى يكون كالقائم المالك لجميع جسده، المتصرف باعتدال في كل عُضوٍ من بدنه. وينبغي له أن يتخذ بدادين مُدوَّرين أو مربَّعين، ولا سيما لمن أراد السفر الطويل والجري الكثير، فإنه وقاية لحارك الفرس، أن انقطع شيء من معاليق السرج فيقيه البدَادُ وبحرس ظهر الفرس من القَرَبُوس والمؤخرة. ويتخذ مِرْشَحَةً من طاقتين وقاية تحت البِدادَين. والمرْشحة أيضًا تجفف العرق من البِدَادين.
فإذا أراد الركوب عليه شَدةَّ بيديه، وتولى أمره بنفسه؛ ولم يتَّكلُ فيه على غيره. فإن تولاّه غيرُه فليْمتحِنهُ عند ركوبه احتياطًا بحركته ونزوله.
ومتى كان الحزام رخْوًا ماج السَّرجُ بفارسه، لا سيَّما أن أَمْسَكَ السلاح، وذلك غيرُ جيدَّ. وأيضًا فإن السلاح إذا أشتد لم يمَجْ في ظهر الفرس، ولم يكد يُدْبرُه ولا يَعْقرُ ظهره. ومع رخاوته وانحلاله كثيرًا ما يفعل الدَّبَر والعَقْرَ. وليمسك سوطه أو قضيبه عند الركوب بيده اليسرى، ويشمر ثيابه، ويقف عن يسار فرسه بحذاء ركابه الأيسر وراءه قليلًا. ولا يتقدم في الوقوف فأنه عيب ولكن جانبه الأيسر يلي مَنْكِبَ الفَرَس. فيأخذ العنان بيده اليسرى مع طاق القربوس من داخله أو مع العُرف، أن رأى ذلك أَعْونَ له.
وليقصر عنانه في يده ليمتلئ رأس الفرس. ومتى لم يحس الفرس عند ذلك اللجام ربما اضطرب فلم يكن من ركوبه. ولا يفرط في كبحه فيدور عليه، ولكن على اعتدال فيه. ثم يفتل الركاب الأيسر إلى قدَّام فتلةً واحدة، ويضع صدر رجله اليسرى فيه ويمدها إلى كتف الفرس، ولا يدخلها تحت بطنه. ثم ليأخذ بيده اليمنى القَرَبُوسَ ومؤخر السَّرج، أي ذلك شاء، فكل ذلك صواب. وأخْذُ القَرَبوس باليمنى أحب إلى الفرسان. ثم ليَشِلْ نفسَه إلى فوق شَيْلًا رفيقًا باقتدار وسكون حتى يركب بسرعة. وإن أمسك له إنسان الركاب الأيمن عند ركوبه فذلك حَسَن.
فإذا استوى في سرجه جالسًا، فليضع صدر رجله اليمنى في الركاب الأيمن، ويعتمد على الركابين قليلًا ليستوَّي ثيابه.
وإن أَحَبَّ أن يسوِّي ثيابه بيمينه قبل أن يجلس في السَّرج وبعد الاستقلال، فليفعل ذلك فقد فَعَله الفُرسَانُ. ولا أرى أنا ذلك، إذ قد يَعْتري الفرس حَركةٌ فلا يمكنُ استقلاله. ولكن يُمسك العِنان في خلال ذلك كلَّه، ثم يسوِّي العِنان بيده جميعًا، ويعدل به رأسَ الفرَس، ثم يخرج الفرس من حالة الوقوف إلى المشي، بان يغمزه بعقبيه غمزًا خفيفًا ولا يحركه بحركة بدنه، ولا بحركة ساقيه يضرب بهما بطن الفرس فذلك قبيح لا يفعله الفرسان.
ولينظر إلى ألذِّ مشية فرسه، وأحسنها عنده، وأخفِّها على نفسه وعلى الفَرَس، وأشدها سكونًا فيحمله عليها. وليتفقد ما يصْلُحُ بالفرس من ذلك بعناية.
1 / 31