وعن مَكْحول: إَنَّ رسول الله ﷺ سَبَّق الخيلَ، فجاء فرسُه الأَدْهَمُ سابقًا، فلما رأى ذلك جَثا على رُكبتيه وقال: إنه لبَحْر، فقال عُمَرُ رضى الله عنه: كذب الحُطَيْئة! لو كان أحدٌ ناجيًا من هذا لنجا رسول الله ﷺ. قال أبو علي: أراد عمر بقوله هذا البيت:
فإن جِيِادَ الخيلِ لا تَسْتَفِزُّنا ... ولا جاعلات العاجِ فَوْق المعاصِمِ!
وعن يعقوبَ بن زيد بنِ طَلْحة عن أبيه قال: سَّبقَ رسول الله ﷺ بين الخيل اثنتي عشرة أوقية، فسبق فرس لأبي بكر رضى الله عنه فأخذ أربعمائة وثمانين درهمًا.
وعن الشَّعبيَّ أَن عمر بن الخطاب ﵁ كتب إلى سَعْد بن أبي وقَّاصٍ: إن أَجْرِ الخيل وسَّبقْ بين قال: فأَجْريتُ الخيلَ بالكوفة، فأقبل فَرسَان يحتكَّان حتى دخلا الحجرة، فتنازعوا فيهما، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب عمر: إذا سَبق بالرأسِ فقد سَبَقَ.
وعن هارونَ بن أبي زَياد قال: قال عمر بن الخطاب ﵁: أُغْدُ إلى هذه المكرمة! يَعْنى الرِّهانَ في الخيل. قال: فغدا الناسُ وخَرَجَ سَلْمان فيمن خرج، فقال قوم: لنستخنه اليوم! فَلَقُوهُ، فقالوا: يا أبا عَبْدِ الله! من سَبَقَ اليوم؟ قال: سَبَق الساَّبقون؟ وأصل الرِّهان من الرهن. كان الرجل يراهن صاحِبَه على المسابقة: يضع هذا رهنًا، ويضع هذا رهنًا، فأيهما سبق فرسُه أخذ رهنَه ورهْنَ صاحبه. وهذا كان من أمر الجاهلية، وهو القِمار المنهيُّ عنه، فإن كان الرهان من أحدهما شيئًا مسمىَّ، على أنه أن سَبق لم يكن له شيء وأن سبق صاحبُه أخذ الرهن، فهذا حلال. لأن الرهن إنما هو من أحدهما دون الآخر.
وكذلك أن جعل كل واحد منهما رهنًا وأدخلا بينهما محلّلا، وهو فرس ثالث يكون بين الأولين، ويسمى أيضًا الدَّخيل، ولا يجعلُ صاحب الثالث شيئًا؛ ثم يرسلون الأفراس الثلاثة، فأن سَبَق أحد الأولين أخذ رهنه ورهنَ صاحبه، فكان له طيِّبًا، وأن سَبَق الدخيلُ أخذ الرهنين جميعًا، وأن سُبِق هو لم يكن عليه شيء.
ولا يكون الدخيل إلا رابحًا جوادًا يأمنون أن يسبقهما، فيذهب بالرهنين، فهذا جائزٌ من الرّهان. وإن كان المحلّلِ غيرَ جواد قد أَمِنا أَنْ يَسبقهما فهذا قِمار، لأنهما كأنهما لم يدخلا بينهما شيئًا.
وأصل هذا حديث سعيد بن المسيّب قال: قال رسول الله ﷺ:) من أَدْخل فرسًا بين فَرَسين وهو لا يأمَنُ أن يسبق فلا بأس به، ومن أدخل فَرَسًا بين فَرَسين وهو يأمن أن يُسْبَق فهو قِمارٌ (.
ورَوى الواقديُّ عن موسى بن محمد عن أبيه قال:) كان رسول الله ﷺ يُعْطى السَّبق عَشْرَةَ أَفراس، وما كان أكثر لم يعطه شيئًا (.
وكانت العرب في الجاهلية لا تجعل القَصَبَ في زمانها إلا سبع قصبات، ولا تُدخِلُ الحجرة من الخيل إلا ثمانية أفراس. وكانوا يرسلون خيولهم عشرة عشرة.
ويسمُّون الأول) السابق (و) المبرَّز (و) المجليِّ (.
وكان من شأنهم أن يسمحوا على وَجه السابق، وذلك قال جَرير:
إذا شِئْتُمُ أن تَمْسَحوا وَجْه سابقٍ ... جوادٍ فمُدُّوا في الرهان عنانيا
ويسمون الثاني) المصلّي (لوضعه جَحْفَلته على) صَلاَ (السابق، وهو عِرْقٌ في ظاهر جهات الفخذ. وللدابة) صَلَوانِ (، وهما جانبا عَجْبِ الذنَب.
والثالث) المسلّى (واشتقاقه من السُّلُوِّ، كأنه سلْى صاحِبَهُ حيث جاء ثالثًا.
والرابع) التالي (لأنه يتلو المسلِّى، وكلُّ تابع لشيء فهو تالٍ له.
والخامس) المُرْتَاح (، من الرّواح، ومعناه أنه أتى أواخر الأوائل، لأنه الخامس، وبه تنَصَّف عَددُ السوابق، وهو أول الرّواح وآخر الغُدوِّ، فكذلك خامس السوابق: آخر الأوائل، وأول الأواخر.
والسادس) العاطف (، من العَطْف والانثناء، فكأَنَّ هذا الفرس هو عطف الأواخر على الأوائل، أي أثناها فاشتق له اسم من فعله.
والسابع) الحظيُّ (، وإنما كان حَظِيًّا لأنه نزل في الأواخر منزلة المصلّى في الأوائل، فحظي بذلك، إذ فاته أن يكون عاطفًا، فكانت له بذلك حُظوة دون من بعده.
والثامن) المؤمَّل (لأنه منتظر الثلاثة المختلفِّة، إذ لا بد من سَبْق أحدها غالبا، فلما تعيَّن سَّمى مما تعلَّقَ به الأمل، وقيل فيه مؤمَّل.
1 / 33