Fatimah Az-Zahra dan Fatimiyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genre-genre
أو لعله كان داهيا عظيم الدهاء، ولكن هيامه بالسيطرة واندفاعه إليها كانا أعظم من دهائه. فانكشفت غايته على كره منه وحيل بينه وبين بلوغ تلك الغاية من كل طريق ينافسه فيه المنافسون.
ومما لا ريب فيه أن الرجل لم يكن من الغفلة بحيث يصدق كل خرافة من الخرافات التي كان يذيعها ويتولى نشرها والدعوة إليها، ولكن التواريخ والشواهد لم تحفظ لنا خبرا واحدا يدل على أنه كان من السمو الفكري بحيث يسلم من جميع الخرافات ويتبطن ما وراءها من الحقائق، ولا سيما إذا كان التصديق هو طريقه إلى السلطان والغلبة وقهر الخصوم والانتصار على النظراء. فمن مألوف النفوس - أو من مألوف هذه النفوس خاصة - أن تعتقد ما يواتيها على هواها ويعزز إيمانها بمطمعها، كما يفعل المحب الذي يؤذيه الشك ويؤذيه العلم بعيوب محبوبه فيروض طبعه على اليقين وتجميل العيوب؛ لأنها أريح له وأعون له على هواه من عذاب الشكوك وانكشاف العيوب.
وهذه الطبيعة المعهودة في أمثاله دون غيرها هي التي تفسر لنا أعمالا شتى يبدو فيها خادعا مخدوعا في وقت واحد، فهو حصيف لا شك في حصافته، ولكن كيف يقع الحصيف في مثل ذلك السخف الذي لج به حتى يسول له البطش بأقرب الناس إليه ومنهم ولده أو ولداه؟
يقع الحصيف في مثل ذلك السخف، وفيما هو أسخف منه، إذا كان مغلوبا على أمره مضطرا إلى تسويغ دفعته بعقيدة تجملها في نظره وتلبسها ثوب الواجب الذي لا محيد عنه ولا هوادة فيه. •••
أما أن حسن بن الصباح كان مغلوبا على أمره في طلب السلطان فحياته كلها سلسلة من الشواهد على طبيعة لا تطيق العيش بغير سلطان أو بغير السعي إلى السلطان، فإنه ما اتصل بأحد قط إلا خافه على مكانته وتوجس منه على الرغم من دهائه وفطنته، ولو لم يكن طمعه أقوى من دهائه وفطنته لما تكشف منه دفعه الطمع في كل علاقة وفي كل مكان.
سمع في شبابه عن الشيخ موفق النيسابوري أن تلاميذه جميعا يرتفعون ببركة تعليمه في مراتب الدولة، وكان ابن الصباح شيعيا ومدرسة الشيخ الموفق معهد السنة في نيسابور، فلم يمنعه ذلك أن يختارها للتعليم فيها على أمل في الجاه والسلطان.
ومن الذين ذكروه من محبيه رشيد الدين بن فضل الله صاحب «جامع التواريخ». وفي روايته عن صباه يقول: إن سبب العداء بينه وبين الوزير نظام الملك أنه كان يتتلمذ معه في مدرسة نيسابور فتعاهدا على المعونة إذا وصل أحدهما إلى منصب من مناصب الرئاسة، وأن ابن الصباح قد استنجز الوزير وعده فخيره بين ولاية الري وولاية أصفهان، وكان ابن الصباح عالي الهمة فلم يقنع بإحدى هاتين الولايتين، فاستبقاه نظام الملك في الديوان عسى أن يترقى فيه إلى مكانة أكبر من مكانة الولاة.
والرواية على هذه الصورة عرضة للنقد والمناقشة، ولكنها على كل حال يصح منها شيء واحد: وهو علم المؤرخين للرجل - من محبيه فضلا عن مبغضيه - أنه كان بعيد المطامع منذ صباه.
وحدث، وهو في الديوان أنه تصدى لعمل من أعمال نظام الملك فوعد الملك بإنجازه قبل أن ينجزه الوزير، فاحتال هذا على إحباط سعيه وأوصد عليه الباب الذي أراد أن يندفع منه إلى منصبه فوق كتفيه.
وقيل في تعليل سفره إلى مصر للقاء الخليفة الفاطمي: إنه استوعب كل ما تعلمه من الدعاة فاستصغره إلى جانب علمه بأسرار الدعوة، فأراد المزيد من العلم بالشخوص إلى دار الحكمة في القاهرة، لعله يستوفي هناك علوم الإسماعيليين التي غابت عن دعاة العراق.
Halaman tidak diketahui