وسأل نفسه في لهفة: «وهل علية معهما؟» وود لو تحدثت السيدة فأفاضت ليسمع منها ذكرها.
فأخذت السيدة تتحدث عن الأسرة وكانت تعرف الكثير من خبرها، وعجب فؤاد كيف جمعت كل هذه الأخبار في يوم، وما كان أظرف تألفها وثرثرتها، ثم نطقت أخيرا بما كان فؤاد ينتظر منها فقالت: كانت ثريا هذه التي تراها فتاة صغيرة عندما رأيتها هنا قبل الحرب، ألا ترى كيف تزوجت وصار لها ولدان؟ ألا ما أظرفهما! وأما هذا الطفل الأشقر الثالث فهو ابن أختها علية التي لم أرها منذ كانت صبية هكذا.
وأشارت بيدها لتدل على صغرها.
فنطق فؤاد بغير وعي: أهي هنا معهما؟
فنظرت إليه السيدة في شيء من الدهشة وسألته: أتعرفها؟
فأدرك فؤاد خطأه وقال وهو يستجمع نفسه: نعم؛ لأني أعرف أسرتها.
فهزت السيدة رأسها أسفا وقالت: مسكينة علية! إنها صغيرة!
ولم يستطع فؤاد أن يسألها في لهفة كما هم في نفسه أن يسألها: «ولم تكون علية مسكينة؟ علية المرحة الضاحكة القاسية؟!»
وأخذت السيدة تتحدث وهو مصغ إلى قولها بجميع حواسه يعلل نفسه بأنه سوف يراها، وذهب ظنه مذاهب شتى فيما أصابها، حتى جعل السيدة ترثي لحالها، فهل مات أبوها؟ ولم تكون هي المسكينة وحدها؟ أم جدت عليها أحزان أخرى مما يصيب مثلها؟ أكانت مسكينة من أجل زواجها؟
أليست هي التي اختارت زوجها وآثرته عليه ووجدت فيه قصارى أملها؟ وعلق نظره بأبواب الشرفة لعله يرى وجه علية يطلع من أحدها، فما كان أشوقه إلى أن يراها ويحدثها ويعاتبها وإن كاوح قلبه وجحده قسرا، ولقد ود لو جلس إلى جانبها يشاركها همومها ويواسيها فيما جعل السيدة ماري ترحمها، وكان حديث السيدة عنها متقطعا بين توزيع الشطائر وصب الشاي وملاحظات تبديها بين حين وآخر على قادم جديد أو جالسة على مائدة أخرى، ولكن قصة علية كانت مثل خيط لامع يبرق في ثنايا حديثها فلا يكاد فؤاد يسمع سوى ما يتصل بها، يلتقطه كأنه يسل خيطا من الحرير في لفائف معقدة، ومع ذلك فإنه لم يخل من شعور يشبه أن يكون ارتياحا عندما علم أن علية لم تكن سعيدة في زواجها، علم أن زوجها عنيف جشع كما تصوره، لا يحرص على شيء إلا على أنها ابنة الثري الغني الذي سوف يترك وراءه ثروة كبرى ترثها علية لكي يتمتع هو بها، وما كان مثل هذا الفتى الأنيق المعجب بنفسه ليقدر على أن يضم أضلاعه على حب مثل حبه المصفى، ولا أن يعرف قدر علية مستقلة عن كل ما عداها، بل لقد كان شعوره يشبه أن يكون شماتة لم يستطع أن يقاوم الاسترسال فيها حينا؛ لأنها فضلت صدقي عليه ولم تستطع أن تتغلغل إلى ما تحت ظاهره الخادع، كما تنخدع الغريرات بمظاهر أمثاله من الشبان، فهي تلقى جزاء قلة بصرها وسوء اختيارها.
Halaman tidak diketahui