265

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genre-genre

- المَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ) هَلِ المَقْصُوْدُ بِقَوْلِهِ ﷺ (لَا غُوْل) نَفيُ وُجُوْدِهِ؟
الجَوَابُ: لَا، وَإنَّمَا المَقْصُوْدُ نَفيُ الاعْتِقَادِ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصُّوْرَةِ المَزْعُوْمَةِ عِنْدَ العَرَبِ.
وَيَدُلُّ لِوُجُودِهِ:
١) أَنَّ هَذَا شَائِعٌ مَعْرُوْفٌ وُجُوْدُهُ عِنْدَ العَرَبِ. (١)
٢) مَا ثَبَتَ فِي الأَحَادِيْثِ مِنْ لَفْظِ الغُوْلِ كَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوْبَ (كَانَتْ لِي سَهْوَةٌ (٢) فِيْهَا تَمْرٌ، فَكَانَتِ الغُوْلُ تَجِيْءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ). (٣)
بَلْ فِي القُرْآنِ مَا يُشِيْرُ إِلَى وُجُوْدِهَا أَيْضًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِيْ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِيْنُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِيْنَ﴾ (الأَنْعَام:٧١). (٤)
وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ الغِيْلَانَ ذُكِرَتْ عِنْدَ عُمُرَ فَقَالَ: (إِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ صُوْرَتِهِ الَّتِيْ خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهَا؛ وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا). (٥)

(١) قَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ (ص١٠٤٠) - بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ -: (غَالَهُ: أَهْلَكَهُ، كَاغْتَالَهُ وَأَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ. وَالغُوْلُ بِالضَّمِّ: الهَلَكَةُ وَالدَّاهِيَةُ وَالسِّعْلَاةُ وَسَاحِرَةُ الجِنِّ وَالمَنِيَّةُ وَشَيْطَانٌ يَأْكُلُ النَّاسَ).
(٢) هُوَ بَيْتٌ صَغِيْرٌ - فِي الجِدَارِ - كَالخِزَانَةِ الصَّغِيرةِ.
(٣) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٨٨٠). صَحِيْحُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (١٤٦٩).
(٤) قَالَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٥٢/ ١١): (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ ﴿أَنَدْعُو مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلآلِهَةِ وَمَنْ يَدُعُو إِلَيْهَا وَلِلدُّعَاةِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ إِلَى اللهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيْقِ تَائِهًا ضَالًّا، إِذْ نَادَاهُ مُنَادٍ: (يَا فُلانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيْقِ)، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُوْنَهُ: (يَا فُلَانُ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيْقِ)! فَإِنْ اتَّبَعَ الدَّاعِيَ الأَوَّلَ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ فِي الهَلَكَةِ، وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُوْهُ إِلَى الهُدَى اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيْقِ، وَهَذِهِ الدَّاعِيَةُ الَّتِيْ تَدْعُو فِي البَرِّيَّةِ مِنَ الغِيْلَانِ).
قُلْتُ: وَالغِيْلَانُ هُنا هِيَ مِنَ الجِنِّ الَّتِيْ تَسْعَى فِي إِضْلَالِ النَّاسِ.
وَمِثْلُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ (٣٨٩) عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: (أَرْسَلَنِي أَبِي إلَى بَنِي حَارِثَةَ - وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا - فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ، قَالَ: وَأَشْرَفَ الَّذِيْ مَعِيَ عَلَى الحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا! فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّك تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْك؛ وَلَكِنْ إذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (إنَّ الشَّيْطَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ؛ وَلَّى وَلَهُ حِصَاصٌ».
وَ(الحِصَاصُ): هُوَ الضُّرَاطُ.
وَ(أَبُوْ صَالِحٍ السَّمَّانُ) هُوَ ذَكْوانُ: تَابِعِيٌّ مِنَ الوُسْطَى وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (ت ١٠١ هـ).
(٥) صَحِيْحٌ. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، بَابُ (الغِيْلَانُ إِذَا رُئيَتْ مَا يَقُوْلُ الرَّجُلُ). قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٣٤٤/ ٦): (إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ).
وَقَالَ أَيْضًا ﵀: (وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِمْ؛ فَقِيْلَ: ....).

1 / 265