At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genre-genre
(١) كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (١٦٣١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). وَأَنَا أَرْجُو اللهَ تَعَالَى الكَرِيْمَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ العَامِلِيْنَ المُنْتَفَعِ بِهِم، فَإِنَّ الدَّالَ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيْثِ. (٢) كَمَا فِي الحَدِيْثِ (جَاهِدُوا المُشْرِكِيْنَ بِأمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ). صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٢٥٠٤) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٣٠٩٠). (٣) وَهَذِهِ المَسَائِلُ هِيَ غَيْرُ مَسَائِلِ المُصَنِّفِ المُخْتَصَرَةِ الَّتِيْ اتْبَعَهَا المُصَنِّفُ لِمُتُوْنِ البَابِ، أَمَّا مَسَائِلِي الخَاصَّةُ فِي هَذَا الكِتَابِ فَقَدْ جَعَلْتُهَا قِسْمَيْنِ: القِسْمُ الأَوَّلُ) المَسَائِلُ الَّتِيْ أَجْعَلُهَا فِي أَوَاخِرِ شُرُوْحِ الأَبْوَابِ. القِسْمُ الثَّانِي) المَلَاحِقُ المُسْتَقِلَّةُ عَنِ الأَبْوَابِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ مُلَخَّصَاتِ لِبَعْضِ الكُتُبِ، وَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ جُزْءًا يَسِيْرًا فِي بَابِهِ، وَسَأَذْكُرُ هَذِهِ المَلَاحِقَ قَرِيْبًا. (٤) مُعْظَمُ تَحْقِيْقِ الحَدِيْثِ فِي هَذَا الشَّرْحِ هُوَ مِنْ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ الإِمَامِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. (٥) وَأَخُصُّ بِالذِّكْرِ الشَّيْخَ الفَاضِلَ الإِمَامَ العَلَّامَةَ ابْنَ عُثَيْمِيْن ﵀، فَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِهِ كَثِيْرًا. (٦) العُنْوَانُ الإِلِكتْرُونيّ لِلتَّوَاصُلِ: Naghwi@gmail.com .
1 / 1
(١) مُسْتَفَادٌ مِنْ كِتَابِ (الأَعْلَامُ) لِلزِّرِكْلِيِّ (٢٥٧/ ٦). (٢) وَفِي (مُعْجَمُ المُؤَلِّفِيْنَ) (٢٦٩/ ١٠) لِعُمَر كَحَّالَة: (وَقَامَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى العَقِيْدَةِ السَّلَفِيَّةِ وَالعَمَلِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ). (٣) أَيْضًا مِمَّنْ خَذَلَهُ أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ. قَالَ الزِّرِكْلِيِّ فِي الأَعْلَامِ (١٣٠/ ٣): (سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيُّ النَجْدِيُّ: أَخُو الشَّيْخِ زَعِيْمِ النَّهْضَةِ الإِصْلَاحِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَارَضَ أَخَاهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَكَتَبَ رَسَائِلَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا (الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَفَّرَ المُسْلِمِيْنَ بِسَبَبِ النَّذْرِ لِغَيْرِ اللهِ) مَخْطُوْطٌ فِي أَوْقَافِ بَغْدَادَ (٦٨٠٥)، ثُمَّ عَادَ وَأَظْهَرَ النَّدَمَ، قَالَ عَلِيّ جَوَاد الطَّاهِر: (وَلَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ مَطْبُوْعَةٌ). (٤) الحَفِيْدُ: وَلَدُ الوَلَدِ، وَالجَمْعُ حُفَدَاءُ، اُنْظُرْ كِتَابَ (لِسَانُ العَرَبِ) (١٥٣/ ٣). (٥) وَمِنْ أَبْرَزِ مَنْ شَرَحَهُ حَفِيْدُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنِ بْنِ مَحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ المَجِيْدُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ)، (ت ١٢٨٥ هـ).
1 / 2
(١) قَالَ الزُّبَيْدِيُّ ﵀ (ت ١٢٠٥ هـ) فِي كِتَابِهِ (تَاجُ العَرُوْسِ) (٢٧٦/ ٩): (التَّوْحِيْدُ تَوْحِيْدَانِ، تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ وَتَوْحِيْدُ الأِلَهِيَّةِ. فَصَاحِبُ تَوْحِيْدِ الرَّبَّانِيَّةِ يَشْهَدُ قَيُّومِيَّةَ الرَّبِ فَوْقَ عَرْشِهِ، يُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِهِ وَحْدَهُ، فَلَا خَالِقَ وَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا مُحْيي وَلَا مُمِيْتَ وَلَا مُدَبِّرَ لِأَمْرِ المَمْلَكَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا غَيْرُهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بإِذْنِهِ، وَلَا يَجُوْزُ حَادِثٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، وَلَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهَا عِلْمُهُ وَأَحَاطَتْ بِهَا قُدْرَتُهُ وَنَفَذَتْ فِيْهَا مَشِيْئَتُهُ وَاقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ. وَأَمَّا تَوْحِيْدُ الإِلَهِيَّةِ فَهُوَ أَنٍ يجْمِعَ هِمَّتَهُ وَقَلْبَهُ وَعَزْمَهُ وَإِرَادَتَهُ وَحَرَكاتِهِ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ وَالقِيَامِ بِعُبُودِيَّتِهِ). (٢) مُلَاحَظَةٌ: إِذَا كَانَ الاسْتِدْلَالُ بِأَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَإِنِّيْ أَذْكُرُ رَقَمَ آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا. (٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٢٦٧/ ٤): (﴿فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ﴾ أَيْ: أَفَلَا تَخَافُوْنَ مِنْهُ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ بِآرَائِكُم وَجَهْلِكُم؟! وَقَوْلُهُ ﴿فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ أَيْ: فَهَذَا الَّذِي اعْتَرَفْتُم بِأَنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ رَبُّكُم وَإِلَهُكُم الحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالعِبَادَةِ، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾ أَيْ: فَكُلُّ مَعْبُوْدٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَاحِدٌ لَا شَرِيْكَ لَهُ). (٤) قَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ (ص١٢٤٢): (أَلَهَ إِلَاهَةً وَأُلُوْهَةً وَأُلُوْهِيَّةً: عَبَدَ عِبَادَةً، وَمِنْهُ لَفْظُ الجَلَالَةِ). وَقَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (٤٦٧/ ١٣): «ألَهَ) الإلَهُ: اللهُ ﷿، وكُلُّ مَا اتُخِذَ مِنْ دُوْنِهِ مَعْبُوْدًا؛ إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ، وَالجَمْعُ آلِهَةٌ، وَالآلِهَةُ: الأَصْنَامُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِم أَنَّ العِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا، وَأَسْمَاؤُهُم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِم لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ). (٥) هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّوْحِيْدِ يَكُوْنُ اسْمُهُ بِاعْتِبَارَيْنِ: فَبِاعْتِبَارِ إِضَافَتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يُسمَّى تَوْحِيْدَ الأُلُوْهِيَّةِ، فَلَا إلَهَ حَقٌّ إِلَّا هُوَ، وَبِاعْتِبَارِ إِضَافَتِهِ إِلَى العِبَادِ يُسمَّى تَوْحِيْدَ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا تَعْبُدَ غَيْرَهُ. قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٥٠٣): (فَالأُلُوْهِيَّةُ وَصْفُهُ تَعَالَى، وَالعُبُوْدِيَّةُ وَصْفُ عَبْدِهِ). (٦) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُوْلُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُوْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦١). وقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ (يُوْنُس:٣٢). (٧) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ﴾ (يُوْنُس:١٨). (٨) فَائِدَةٌ: اشْتِرَاكُ اسْمَاءِ بَعْضِ الصِّفَاتِ بَيْنَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ بَعْضِ خَلْقِهِ إِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاكٌ فِي أَصْلِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ فِي حَقِيْقَتِهَا، فَالكَمَالُ فِيْهَا للهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَنْ سِوَاهُ؛ فَمَثَلًا المَخْلُوْقُ قَدْ يَكُوْنُ عَزِيْزًا؛ وَاللهُ تَعَالَى هُوَ العَزِيْزُ، فَلِلْمَخْلُوْقِ مِنْ صِفَةِ العِزَّةِ مَا يُنَاسِبُ ذَاتَهُ الحَقِيْرَةَ الوَضِيْعَةَ الفَقِيْرَةَ، وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا لَهُ مِنْ كَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ مُنْتَهَى ذَلِكَ، لَيْسَ لَهُ فِيْهَا مَثِيْلٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِيْهَا مُشَابِهٌ عَلَى الوَجْهِ التَّامِّ. وَسَيَأْتِي مَزِيْدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ شَرْحِ الكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
1 / 3
(١) قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (ت ٦٧١ هـ) فِي التَّفْسِيْرِ (٢٢٥/ ١): (وَأَصْلُ العِبَادَةِ الخُضُوْعُ وَالتَّذَلُّلُ، يُقَالُ: طَرِيْقٌ مُعَبَّدَةٌ إِذَا كَانَتْ مَوْطُوْءَةً بِالأَقْدَامِ). وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ القُرْطُبِيُّ ﵀ (ت ٦٥٦ هـ) فِي كِتَابِهِ (المُفْهِمُ عَلَى مُسْلِمٍ) (١٨١/ ١): (سُمِّيَتْ وَظَائِفُ الشَّرْعِ عَلَى المُكَلَّفِيْنَ عِبَادَاتٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَلْتَزِمُوْنَهَا وَيَفْعَلُوْنَهَا خَاضِعِيْنَ مُتَذَلِّلِيْنَ للهِ تَعَالَى). (٢) قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (١٤٩/ ١٠). (٣) قَالَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٦٢/ ١): (وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسَ - فِيْمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُ - يَقُوْلُ فِي ذَلِكَ نَظِيْرَ مَا قُلْنَا فِيْهِ، غَيْرَ أنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ فِي مَعْنَى (اعْبُدُوا رَبَّكَم): وَحِّدُوا رَبَّكُم. وَقَدْ دَلَلْنَا فِيْمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى العِبَادَةِ: الخُضُوْعُ للهِ بِالطَّاعَةِ). (٤) قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيْرِ (٥٨/ ٢٠): (يَقُوْلُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ المُشْرِكِيْنَ بِاللهِ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَسَوّاهُنَّ؟ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لِعِبَادِهِ؛ يَجْرِيَانِ دَائِبِيْنِ لِمَصَالِحِ خَلْقِ اللهِ؟ لَيَقُوْلُنَّ: الَّذِيْ خَلَقَ ذَلِكَ وَفَعَلَه اللهُ، (فَأنَّى يُؤْفَكُوْنَ) يَقُوْلُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَنَّى يُصْرَفُوْنَ عَمَّنَ صَنَعَ ذَلِكَ، فَيَعْدِلُوْنَ عَنْ إِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ).
1 / 4
(١) قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀: (وَهَذَا النِّفَاقُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ: تَكْذِيْبُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ تَكْذِيْبُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ. أَوْ بُغْضُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ بُغْضُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ. أَوِ المَسَرَّةُ بِانْخِفَاضِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوِ الكَرَاهِيَةُ لِانْتِصَارِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ. مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١١). (٢) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الصَّلَاةُ وَحُكْمُ تَارِكِهَا) (ص٦٠): (وَلَكِنْ إِذَا اسْتَحْكَمَ وكَمُلَ فَقَدْ يَنْسَلِخُ صَاحِبُهُ عَنِ الإِسْلَامِ بِالكُلِّيَّةِ - وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ -، فَإِنَّ الإِيْمَانَ يَنْهَى المُؤْمِنَ عَنْ هَذِهِ الخِلَالِ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِي العَبْدِ؛ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا؛ فَهَذَا لَا يَكُوْنُ إِلَّا مُنَافِقًا خَالِصًا). وَقَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٤٧/ ٢): (فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ - أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ؛ لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ! وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَقَوْلُهُ ﷺ (كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا) مَعْنَاهُ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ يَنْدُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ﵁ مَعْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ). قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ القَيِّمِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْلَةِ العُلَمَاءِ ﵏، وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ القَيِّمِ ﵀ قَيَّدَهُ بِـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا)، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَدْ لِلإسلَامِ أَصْلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيْهِ ابْنِ القَيِّمِ هَذَا وَلَا بُدَّ؛ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الحَدِيْثِ فِي قَوْلِهِ «مُنَافِقًا خَالِصًا»، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الخُلُوْصِ هُنَا؟؟ (٣) البُخَارِيُّ (٣٤)، وَمُسْلِمٌ (٥٨) مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا. (٤) مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ (ص١٠) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ. (٥) كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقُ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٨)، وَمُسْلِمٌ (٦٤).
1 / 5
(١) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١٧٤٢٢). الصَّحِيْحَةُ (٤٩٢). (٢) وُفْقَ مَا ظَهَرَ لِي، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
1 / 6
(١) ضَعِيْفٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٠٧٠). ضَعِيْفُ التِّرْمِذِيِّ (٣٠٧٠). (٢) البُخَارِيُّ (٢٨٥٦)، وَمُسْلِمٌ (٣٠).
1 / 7
(١) وَقَدْ سَلَفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّفْسِيْرِ. وَفِي البُخَارِيِّ (١٣٩/ ٦) - كِتَابُ التَّفْسِيْرِ - سُوْرَةُ الذَّارِيَاتِ - ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيْقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. وَالفَرِيْقَانِ هُمُ الجِنُّ وَالإِنْسُ. (٢) مُسْلِمٌ (٢٩٨٥). (٣) (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (٤٠/ ١) لِابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. (٤) قَالَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀، اُنْظُرْ مَجْمُوْعَةَ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١٦٠). (٥) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٠٩/ ١): (وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ المُرَادَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوْحِيْدِ؛ إِنَّمَا أَرَادَ التَّوْحِيْدَ الكَامِلَ الَّذِيْ يُحَرِّمُ صَاحِبَهُ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ الإِلَهَ هُوَ المَعْبُودُ الَّذِيْ يُطَاعُ؛ فَلَا يُعْصَى خَشْيَةً وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَمَحَبَّةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا وَدُعَاءً، وَالمَعَاصِي كُلُّهَا قَادِحَةٌ فِي هَذَا التَّوْحِيْدِ لِأَنَّهَا إِجَابَةٌ لِدَاعِي الهَوَى وَهُوَ الشَّيْطَانُ، قَالَ اللهُ ﷿ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، فَهَذَا يُنَافِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيْدِ). (٦) وَهُوَ بِقَيدِ الاسْتِحْلَالِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: (مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ؛ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ). تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (٣٥٧/ ١٠). وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٢٥٥٢): (جَيِّدٌ فِي الشَّوَاهِدِ). (٧) (قَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيْتُ الَّتِيْ يَتَحَاكَمُوْنَ إِلَيْهَا؛ فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ؛ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٥/ ٦) تَعْلِيْقًا، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيْقِ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّه. انْظُرْ كِتَابَ (فَتْحُ البَارِي) (٢٥٢/ ٨) لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ ﵀.
1 / 8
(١) وَكَمَا فِي وَصِيَّةِ يَعْقُوْبَ ﵊ ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوْبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البَقَرَة:١٣٣). (٢) وَيَزِيْدُ ذَلِكَ بَيَانًا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ لِأَقْوَامِهِم: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٥٩)، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٦٥)، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٧٣)، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٨٥).
1 / 9
(١) وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (٧٤٠٤) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (لَمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ - وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ - إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي). وَمِثْلُهُ حَدِيْثُ أَبِي ذَرٍّ المَرْفُوْعُ القُدُسِيُّ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي). مُسْلِمٌ (٢٥٧٧). وكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيْهِ الَّذِيْنَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُوْنَ) (الأَنْعَام:١٢). (٢) وَاسْتِحْقَاقُ المُقَابَلَةِ هُوَ كَإِعْطَاءِ أُجْرَةِ الأَجِيْرِ المُسَاوِيَةِ لِقِيْمَةِ عَمَلِهِ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ لِلأَجِيْرِ أَلْفُ ضِعْفٍ - مَثَلًا - مِنْ أُجْرَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقَاءَ عَمَلِ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَهُوَ اسْتِحْقَاقُ تَفَضُّلٍ. (٣) وَفِي البُخَارِيِّ (٦٤٦٣)، وَمُسْلِمٍ (٢٨١٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ)، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ».
1 / 10
(١) البُخَارِيُّ (٣٤٣٥)، وَمُسْلِمٌ (٢٨). (٢) البُخَارِيُّ (٤٢٥)، وَمُسْلِمٌ (٣٣). (٣) ضَعِيْفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ مُتَكَلَّمٌ فِيْهَا. ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيْحِهِ (٦٢١٨)، وَالحَاكِمُ (١٩٣٦). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٩٢٣). (٤) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٤٠). الصَّحِيْحَةُ (١٢٧).
1 / 11
(١) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢١٤٨٧). الصَّحِيْحَةُ (١٣٧٣). (٢) وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيْرًا﴾ (النِّسَاء:١١٥) بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٢٠٢): (وَيَدُلُّ مَفْهُوْمُهَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ وَيَتَّبِعْ سَبِيْلَ المُؤْمِنِيْنَ؛ بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ وَجْهَ اللهِ وَاتِّبَاعَ رَسُوْلِهِ وَلُزُوْمَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِيْنَ، ثُمَّ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الذُّنُوْبِ أَوِ الهَمِّ بِهَا مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النُّفُوْسِ وَغَلَبَاتِ الطِّبَاعِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يُوَلِّيْهِ نَفْسَهُ وَشَيْطَانَهُ، بَلْ يَتَدَارَكُهُ بِلُطْفِهِ، وَيَمُنُّ عَلَيْهِ بِحِفْظِهِ، وَيَعْصِمُهُ مِنَ السُّوْءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُوْسُفَ ﵇: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِيْنَ﴾ أَيْ: بِسَبَبِ إِخْلَاصِهِ صَرَفْنَا عَنْهُ السُّوْءَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُخْلِصٍ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُوْمُ التَّعْلِيْلِ). (٣) وَرَجَّحَ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهَا القُسْطَنْطِيْنِيَةَ؛ وَأَنَّ فَتْحَهَا هَذَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (٤) مُسْلِمٌ (٢٩٢٠). (٥) قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾: أَيْ: لَمْ يَخْلِطُوا. (٦) البُخَارِيُّ (٦٩٣٧)، وَمُسْلِمٌ (١٢٤). (٧) حَسَنٌ. البَزَّارُ (١١٥/ ١٣)، وَالطَّيَالِسِيُّ (٢٢٢٣). الصَّحِيْحَةُ (١٩٢٧). (٨) وَأَيْضًا هُمْ مُهْتَدُوْنَ إِلَى الجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ. (٩) قَالَ ابْنُ أَبِي العِزِّ الحَنَفِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ العَقِيْدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ (ص٩٠): (وَعِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي (شَهِدَ) - تَدُوْرُ عَلَى الحُكْمِ وَالقَضَاءِ وَالإِعْلَامِ وَالبَيَانِ وَالإِخْبَارِ، وَهَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا حَقٌّ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كَلَامَ الشَّاهِدِ وَخَبَرَهُ، وَتَتَضَمَّنُ إِعْلَامَهُ وَإِخْبَارَهُ وَبَيَانَهُ. فَلَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: فَأَوَّلُ مَرَاتِبِهَا: عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ وَاعْتِقَادٌ لِصِحَّةِ المَشْهُودِ بِهِ وَثُبُوْتِهِ. وَثَانِيْهَا: تَكَلُّمُهُ بِذَلِكَ - وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهِ غَيْرَهُ - بَلْ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَ نَفْسِهِ وَيَتَذَكَّرُهَا وَيَنْطِقُ بِهَا أَوْ يَكْتُبُهَا. وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْلِمَ غَيْرَهُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ، وَيُخْبِرَهُ بِهِ، وَيُبَيِّنَهُ لَهُ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يُلْزِمَهُ بِمَضْمُونِهَا وَيَأْمُرَهُ بِهَا).
1 / 12
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٧٩/ ٢): (فَقَوْلُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيْثِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيْعًا مِنْهُ﴾ (الجَاثِيَة:١٣) أَيْ: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ - كَمَا تَقُوْلُهُ النَّصَارَى؛ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ - بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ أَيْ: وَرَسُوْلٌ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ. وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوْقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوْقَةٍ، وَأُضِيفَتِ الرُّوْحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيْفِ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيْتُ إِلَى اللهِ فِي قَوْلِهِ ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ﴾ (هُود:٦٤)، وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ (الحَجِّ:٢٦». (٢) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُوْرَة مَرْيَمَ عَنْ جِبْرِيْلَ ﵇ ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُوْنِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوْذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ (مَرْيَم:١٩)، فَانْظُرْ كَيْفَ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ﴿رُوَحَنَا﴾ - مُضَافًا إِلَى جَنَابِهِ تَعَالَى- ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ قَالَ جِبْرِيْلُ ﵇ ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ﴾. (٣) صَحِيْحُ مُسْلِمِ (٩١٦)، وَاللَّفْظُ بِتَمَامِهِ لِابْنِ حِبَّانَ (٣٠٠٤). وَبِنَحْوِهَا أَحَادِيْثُ الشَّفَاعَةِ الَّتِيْ فِيْهَا خُرُوْجُ كَثِيْرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيْدِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوْهَا بِذُنُوْبِهِم. (٤) سَبَقَ ذِكْرُ ضَعْفِهِ. (٥) صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٥٤٨). صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (٤٢٦).
1 / 13
(١) قُلْتُ: وَهُوَ الكَمَالُ الوَاجِبُ. (٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٤١٧/ ٢) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الثَّانِي وَالأَرْبَعِيْنَ -: (مَنْ جَاءَ مَعَ التَّوْحِيْدِ بِقُرَابِ الأَرْضِ - وَهُوَ مِلْؤُهَا أَوْ مَا يُقَارِبُ مِلْأَهَا - خَطَايَا، لَقِيَهُ اللهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، لَكِنْ هَذَا مَعَ مَشِيْئَةِ اللهِ ﷿، فَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِذُنُوْبِهِ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَتُهُ أَنْ لَا يُخَلَّدَ فِي النَّارِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: المُوَحِّدُ لَا يُلْقَى فِي النَّارِ كَمَا يُلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَلْقَى فِيْهَا مَا يَلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَبْقَى فِيْهَا كَمَا يَبْقَى الكُفَّارُ، فَإِنْ كَمُلَ تَوْحِيْدُ العَبْدِ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ فِيْهِ، وَقَامَ بِشُرُوْطِهِ كُلِّهَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، أَوْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ عِنْدَ المَوْتِ؛ أَوْجَبَ ذَلِكَ مَغْفِرَةَ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوْبِ كُلِّهَا، وَمَنَعَهُ مِنْ دُخُوْلِ النَّارِ بِالكُلِّيَّةِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ قَلْبُهُ؛ أَخْرَجَتْ مِنْهُ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَخَشْيَةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا، وَحِيْنَئِذٍ تُحْرَقُ ذُنُوْبُهُ وَخَطَايَاهُ كُلُّهَا - وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ -، وَرُبَّمَا قَلَبَتْهَا حَسَنَاتٍ - كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَبْدِيلِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ -، فَإِنَّ هَذَا التَّوْحِيْدَ هُوَ الإِكْسِيْرُ الأَعْظَمُ، فَلَوْ وُضِعَتْ مِنْهُ ذَرَّةٌ عَلَى جِبَالِ الذُّنُوْبِ وَالخَطَايَا، لَقَلَبَهَا حَسَنَاتٍ). (٣) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٦٣٩). الصَّحِيْحَةُ (١٣٥). (٤) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٣٨٧٦) عَنِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٧١٧٢). (٥) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٣١٢١)، وَلَفْظُهُ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُوْلُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُوْلُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُوْنَ؛ أَقُوْلُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ؛ وَيَقُوْلُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ). قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (التَّمْهِيْدُ) (ص٤١٧): (بِإِسْنَادٍ صَحَيْحٍ). وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (المَطَالِبُ العَالِيَةُ) (٩٦/ ٧) وَقَالَ: «قَالَ إِسْحَاقُ: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوْبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: (وَيحَكَ أَضَلَلْتَ! تَأْمُرُنَا بِالعُمْرَةِ فِي العَشْرِ وَلَيْسَ فِيْهِنَّ عُمْرَةٌ!) فَقَالَ: (يَا عُرَيُّ فَسَلْ أُمَّكَ). قَالَ: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَقُوْلَا ذَلِكَ؛ وَكَانَا أَعْلَمَ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَأَتْبَعَ لَهُ مِنْكَ). فَقَالَ: (مِنْ هَهُنَا تَرِدُوْنَ؛ نَجِيْئُكُمْ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَتَجِيْئُوْنَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ). سَنَدُهُ صَحِيْحٌ، وَبَعْضُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالعُمْرَةِ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ). قُلْتُ: وَإِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهَوِيْه فِي مُسْنَدِهِ. (٦) الاعْتِصَامُ (٦٤/ ١). (٧) لَمْ نَتَعَرَّضْ لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) بِخُصُوْصِهَا؛ لِأَنَّ كِتَابَ التَّوْحِيْدِ هَذَا - إِجْمَالًا - قَائِمٌ عَلَى بَيَانِهَا وَتَوْضِيْحِهَا.
1 / 14
(١) وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْحِيْدَ هُوَ سَبَبُ الشَّفَاعَاتِ، فَكُلَّمَا قَوِيَ التَّوْحِيْدُ كُلَّمَا زَادَتِ الشَّفَاعَةُ فِي حَقَّهِ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (٩٩) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ). (٢) بِتَصَرُّفٍ مِنْ كِتَابِ (الجَوَابُ الصَّحِيْحُ لِمَنْ بَدَّلَ دِيْنَ المَسِيْحِ) (٧١/ ٤) لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَسَبَبُ الاشْتِبَاهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ هُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّعْبِيْرُ لُغَةً عَنِ المَفْعُوْلِ بِالصِّفَةِ. فَالمَطَرُ مَفْعُوْلٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَرْحَمُ بِهِ عِبَادَهُ، وَيَصِحُّ بِذَلِكَ وَصْفُ المَطَرِ بِأَنَّهُ رَحْمَةُ اللهِ، فَهُوَ مَخْلُوْقٌ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ لَهُ سُبْحَانَهُ، وكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُوْنِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُوْنِهِ بَلِ الظَّالِمُوْنَ فِي ضَلَالٍ مُبِيْنٍ﴾ (لُقْمَان:١١). وَقَدْ أَشَارَ البُخَارِيُّ ﵀ إِلَى ذَلِكَ في صَحِيْحِهِ (١٣٤/ ٩) فَقَالَ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلَائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ ﵎ وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ؛ وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيْقِهِ وَتَكْوِيْنِهِ فَهُوَ مَفْعُوْلٌ مَخْلُوْقٌ مُكَوَّنٌ). (٣) قُلْتُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوْسَى ﵇ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ (طَه:٣٩)، فَهَذِهِ المَحَبَّةُ الَّتِيْ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قُلُوْبِ النَّاسِ لِمُوْسَى ﷺ أَضَافَهَا اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فَهِي لِلتَّشْرِيْفِ وَالتَّزْكِيَةِ، وَهِيَ مَعْنىً قَائِمٌ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ. (٤) وَانْظُرْ كِتَابَ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٧٥/ ١) للشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَفِيْهِ أَيْضًا: (فَالأَعْيَانُ القَائِمَةُ بِنَفْسِهَا وَالمتَّصِلُ بِهَا (مِنَ الصِّفَاتِ) مَخْلُوْقَةٌ، وَالوَصْفُ الَّذِيْ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ عَيْنٌ تَقُوْمُ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُوْنُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَصِفَاتُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقَةٍ).
1 / 15
(١) نَقَلَهُ مُلَخَّصًا صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيْدِ (ص٤٧) ﵀ مِنْ مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى. (٢) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٢٤/ ١) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ -: (فَإِنَّ تَحَقُّقَ القَلْبِ بِمَعْنَى - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - وَصِدْقَهُ فِيْهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْسَخَ فِيْهِ تَأَلُّهَ اللهِ وَحْدَهُ إِجْلَالًا؛ وَهَيْبَةً؛ وَمَخَافَةً؛ وَمَحَبَّةً؛ وَرَجَاءً؛ وَتَعْظِيْمًا؛ وَتَوَكُّلًا؛ وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَبْقَ فِيْهِ مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ وَلَا طَلَبٌ لِغَيْرِ مَا يُرِيْدُ اللهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ القَلْبِ جَمِيْعُ أَهْوَاءِ النُّفُوْسِ وَإِرَادَاتِهَا، وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَطَاعَهُ، وَأَحَبَّ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي إِلَّا لَهُ؛ فَاللَّهُ إِلَهُهُ حَقًّا، وَمَنْ أَحَبَّ لِهَوَاهُ، وَأَبْغَضَ لَهُ، وَوَالَى عَلَيْهِ، وَعَادَى عَلَيْهِ، فَإِلَهُهُ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِيْ كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ، وَكُلَّمَا اشْتَهَى شَيْئًا أَتَاهُ، لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَىً. وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعًا (مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ)، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ، كَمَا قَالَ ﷿: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ﴾ (يَس:٦٠). فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْقِيْقُ مَعْنَى قَوْلِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِصْرَارٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ، وَلَا عَلَى إِرَادَةِ مَا لَا يُرِيْدُهُ اللهُ، وَمَتَى كَانَ فِي القَلْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي التَّوْحِيْدِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (الأَنْعَامِ:١٥١) قَالَ: لَا تُحِبُّوا غَيْرِي. وَفِي صَحِيْحِ الحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ، وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الحُبُّ وَالبُغْضُ؟ قَالَ اللهُ ﷿ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ (آلِ عِمْرَانَ:٣١) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ مَحَبَّةَ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَبُغْضَ مَا يُحِبُّهُ؛ مُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى، وَالمُوَالَاةُ عَلَى ذَلِكَ وَالمُعَادَاةُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ. وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (لَا تَزَالُ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - تَمْنَعُ العِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللهِ؛ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى صَفْقَةِ دِيْنِهِمْ، فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِيْنِهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ اللهُ: كَذَبْتُمْ). فَتَبَيَّنَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ؛ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ)، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِهِ فِي قَوْلِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ طَهَّرَتْ مِنَ القَلْبِ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ، فَمَنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - لَمْ يُحِبَّ سِوَاهُ، وَلَمْ يَرْجُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ، وَلَمْ يَتَوَكَّلْ إِلَّا عَلَى اللهِ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ إِيثَارِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَمَتَى بَقِيَ فِي القَلْبِ أَثَرٌ لِسِوَى اللهِ، فَمِنْ قِلَّةِ الصِّدْقِ فِي قَوْلِهَا). قُلْتُ: وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ السَّابِقِ مَوْضُوْعٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَاِنُّي فِي الكَبِيْرِ (١٠٣/ ٨). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٣٩). وَحَدِيْثُ (الشِّرْكُ أَخْفَى ...) صَحِيْحٌ مِنْهُ الشَّطْرُ الأَوَّلُ فَقَط. الحَاكِمُ (٣١٤٨) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. انْظُرْ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (٣٧٥٥). وَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا السَّابِقِ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ جِدًّا. مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى (٤٠٣٤) بِتَحْقِيْقُ الشَّيْخِ حُسَيْنِ أَسَد حَفِظَهُ اللهُ.
1 / 16
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٧٠٥)، وَمُسْلِمٌ (٢٢٠). وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيْرِ (٥١٩/ ٧): (ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ سَبْعِيْنَ أَلْفًا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
1 / 17
(١) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ مِنْ كِتَابِ (التَّمْهِيْدُ) (ص٣٨) لِلشَّيْخِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٣٩٧/ ٢) - شَرْحُ حَدِيْثِ رَقَم (٤١) -: (فَجَمِيْعُ المَعَاصِي تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيْمِ هَوَى النُّفُوْسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المُشْرِكِيْنَ بِاتِّبَاعِ الهَوَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيْبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُوْنَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ﴾ (القَصَص:٦٤). وَكَذَلِكَ البِدَعُ؛ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيْمِ الهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ المَعَاصِي؛ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ تَقْدِيْمِ الهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ). (٢) أَيْ: الكَمَالَ المُسْتَحَبَّ، وَهَذَا لَا يَأْثَمُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لَكِنَّهُ خِلَافُ الأَكْمَلِ. (٣) قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (٥٧/ ٩): (مَعْنَى الحَنِيْفِيَّةِ فِي اللُّغَةِ: المَيْلُ، وَالمَعْنَى: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ حَنَفَ إِلَى دِيْنِ اللَّهِ وَدِيْنِ الإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ الحَنَفُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ أَحْنَفُ وَرِجْلٌ حَنْفاءُ، وَهُوَ الَّذِيْ تَمِيْلُ قَدَمَاهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى أُخْتِهَا بِأَصَابِعِهَا). (٤) فَفِي الآيَةِ التَّنْبِيْهُ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ دَائِمَ الطَّاعَةِ للهِ تَعَالَى؛ مُوَافِقًا لِشِرْعَةِ رَبِّهِ؛ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِهِ، وَإِنَّ التَّنْبِيْهَ عَلَى إِمَامَتِهِ هُوَ إِرْشَادٌ إِلَى تَمَامِ الدِّيْنِ بِذَلِكَ. (٥) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٠٣/ ١). الصَّحِيْحَةُ (١٤٨٤)، وَأَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ (٢٢٣٠٣) وَغَيْرِهِ بِلَفْظٍ صَحِيْحٍ (مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُوْنَ أَلْفًا وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِن حَثَيَاتِ رَبِّي). الصَّحِيْحَةُ (١٩٠٩).
1 / 18
(١) فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٢١٩٢) - بَابُ رُقيَةِ المَرِيْضِ بِالمُعَوِّذَاتِ وَالنَّفْثِ - عَنْ عَائِشَةَ ﵂؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالمُعوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الَّذِيْ مَاتَ فِيْهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أعَظْمَ بَرَكةً مِنْ يَدِي. (٢) كَمَا فِي الأَثَرِ (إِنَّ فِي المَعَارِيْضِ لَمَنْدُوْحَةً عَنِ الكَذِبِ). صَحِيْحٌ. البَيْهَقِيُّ فِي الكُبْرَى (٢٠٨٤٢) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَوْقُوْفًا. اُنْظُرِ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (١٠٩٤). (٣) مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (١٦)، شَرْحُ البَابِ.
1 / 19
(١) البُخَارِيُّ (٦٥٤٣). (٢) مُسْلِمٌ (٢١٩٦). (٣) وَالنَّمْلَةُ: هِيَ قُرُوْحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنْبِ. (٤) مُسْتَفَادٌ مِنْ رِسَالَةِ (التَّبَرُّكُ) (ص٢٢٣) لِلشَّيْخِ نَاصِرِ الجديْع. (٥) وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (١٠٨/ ٢). (٦) وَذَلِكَ لِأَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (٢٥٤٢) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ﵁؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ - وَلَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ - لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ وَ- كَانَ بِهِ بَيَاضٌ - فُمُرُوْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ)، فَلَمَّا لَقِيَهُ عُمَرُ قَالَ الحَدِيْثَ، ثُمَّ قَالَ (فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ). وَعِنْدِيْ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: وَهُوَ أَنَّ المَنْعَ هُوَ بِاعْتِبَارِ الدَّيْدَنِ وَكَثْرَةِ الطَّلَبِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ عَارِضًا كَمَصْلَحَةٍ أَوْ نَادِرًا، وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ فِي جَعْلِهِ دَيْدَنًا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم: (اُدْعُ لَنَا) كُلَّمَا رَآكَ أَوْ فَارَقَكَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (٧) الاعْتِصَامُ (٥٠١/ ١)، وَقَالَ أَيْضًا ﵀: (وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: غَفَرَ لَكَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ أَنَبِيٌّ أَنَا؟ فَهَذَا أَوْضَحَ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا؛ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّهُ وَسِيْلَةٌ إِلَى أَنْ يُعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَوْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَلْزَمُ، أَوْ يَجْرِي فِي النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ المُلْتَزَمَةِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُ المَشْرُوْعَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوْعًا، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّشيُّعِ وَاعْتِقَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَقَدْ تَبيَّنَ هَذَا المَعْنَى بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، فَكَرِهَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيْمُ وَقَطَبَ وَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأَدْخَلَكَ اللهُ مُدْخَلَ حُذَيْفَةَ، أَقَدْ رَضِيْتَ؟! .... وَهَذِهِ الآثَارُ مِنْ تَخْرِيْجِ الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيْبِهِ). (٨) مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (١٢/ ١٨). (٩) وَ(التَّدَاوِي عَلَى أَقْسَامٍ: فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - مَعَ احْتِمَالِ الهَلَاكِ بِتَرْكِهِ - فَالتَّدَاوِي وَاجِبٌ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - وَلكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ احْتِمَالٌ لِلْهَلَاكِ بِتَرْكِ الدَّوَاءِ - فَالتَّدَاوِي أَفْضَلُ. وَإِنْ تَسَاوَى الأَمْرَانِ؛ فَتَرْكُ التَّدَاوِي أَفْضَلُ). اُنْظُرْ مَجْمُوْعَ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن ﵀ (١٧/ ١٣). (١٠) صَحِيْحٌ. ابْنُ مَاجَه (٤٢٨٥). الصَّحِيْحَةُ (٢٤٠٥). وَقَوْلُهُ (صَدَرْنَا)؛ أَيْ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوٍ أَوْ سَفَرٍ. (١١) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (٩٣/ ٣)، شَرْحُ السُّنَّةِ لِلبَغَوِيِّ (١٦٢/ ١٢). (١٢) القَوْلُ المُفِيْدُ (١٠٨/ ١).
1 / 20