وقام حمادة لينصرف، ولكنه وقف حينا في تردد ثم ضحك قائلا: بالله عليك صارحني بكلمة، لا أحب أن أزاحمك يا أستاذ سيد، وأريد أن تقول بالصراحة، ما شعورك من جهة فطومة؟
وفاجأني سؤاله فقلت في حدة: أما تنسى هذا الهراء؟ متى عرفتها؟
فقال في حماسة: لما طرفت الباب نزلت لي فطومة، الله يا سيد أفندي، والله عمري ما رأيت عينين تشبه عينيها، وسألتها عن اسمها، وكان صوتها مثل الكروان بالله يا أستاذ سيد صارحني.
فقلت في اختصار: قلت لك: لا داعي لهذا السخف، إذا كانت أعجبتك فتلفع بها وتفضل.
فهز يدي مرة أخرى قائلا: طيب يا سيد أفندي، تلفيعة حرير والله العظيم، ما رأيك في أن تقدمني للشيخ مصطفى حسنين؟
ومع أني كنت أعرف أن حمادة إذا رأى امرأة حسناء صار كالذبابة إذا اندفعت إلى طبق من العسل، فإني دهشت؛ لأنه تدله بفطومة في مثل هذه السرعة، ولكني شعرت بارتياح داخلي لست أدري سببه.
وقلت له: يسرني أن أفعل إذا مررت علي بعد أن أفرغ من عملي، إلى اللقاء الآن يا حمادة.
وعندما خرج من عندي وضعت يدي على رأسي وغرقت في أفكاري: أهذا هو الباشا الذي يريد أن يتكلم باسم الأمة ويحاسب الوزراء! أهذا هو الذي يريد أن ينتزع منى ليتجر بأموالها كما يتجر النخاس بالرقيق؟ وقمت ثائرا أتمشى في غرفتي وأسأل نفسي كيف أضرب ضربتي، ما لي أكتب في الفراغ وهذا الوغد يستحق أن يشنق؟
ودخل علي الساعي في هذه اللحظة يطلب مني المقال الذي لم أفرغ منه بعد، فاستمهلته قليلا وعدت إلى مكتبي وبدأت أقرؤه مرة أخرى، كنت في أول الأمر أحسبه مقالا شديدا يعجب الأستاذ علي مختار ويهنئني عليه، ولكنه بدا لي فاترا سخيفا لا يحمل معنى، ولم أفكر مرتين قبل أن أجمع أوراقه وأمزقها قطعا صغيرة ثم أرمي بها في سلة المهملات، وبدأت أكتب مقالا جديدا عنوانه: «هكذا يكون الباشا»، وفي نصف ساعة كنت قد أتممته ووقعته بإمضائي وأخذت أقرؤه مرة أخرى، لم أذكر اسم الباشا، ولكن أوصافه كانت بغير شك تشير إليه، ولولا علمي بأن الأستاذ علي مختار لا يحب أن يهاجم الأشخاص مهاجمة شخصية لكنت حددته بالاسم، ولكني ميزته حتى لا يخطئ أحد في معرفته.
الفصل الثالث والعشرون
Halaman tidak diketahui