171

فضحك ضحكة طويلة سمعتها كأني أسمع ضحكة شيطان، وكدت أقوم إليه فأقذف به من الباب، ولكنه نظر إلي ثابتا وقال: الله يسامحك يا سيد أفندي.

اسمع يا سي سيد حكاية ظريفة والله، بعد مقابلتنا في الليلة إياها جاء لي مصطفى عجوة يدعوني لمقابلة محمد باشا خلف، فذهبت.

والسلام عليكم ... عليكم السلام، اتفضل يا سي حمادة وهات قهوة يا ولد! وكيف الأحوال؟ والظرف والأدب، وقال لي الباشا: «اسمع يا حمادة، أنت رجل نبيه وعظيم وأحب أن تشتغل عندي.»

وبدأت أستمع إليه في شغف وبدأت أشم رائحة مكيدة.

وبعد لحظة صمت واستمر حمادة قائلا: أقول لك الحق. لعب الفار في عبي وقلت له: «خدامك يا باشا.» ولكني قلت لنفسي: «خد بالك يا حمادة!»

وعرض علي مرتب عشرين جنيها في الشهر مرة واحدة، قلت في نفسي: «عجيبة!» وحسست أنه يريد مني مساعدته في الانتخاب، لكني أردت معرفة قرار الحكاية وأظهرت الامتناع، وبدلا من إصراره على العشرين زادها إلى ثلاثين مرة واحدة، قلت: بس، لا بد أن الحكاية فيها لعبة.

وملت على مصطفى عجوة وسألته عنك، ولكنه هز لي رأسه، النهاية قلت: لا بد أن الباشا لا يعرف حكاية العقد وأنك أخذته مني، قلت في عقلي: «بعدك يا سيدنا الباشا!» وقلت له: «أرجوك مهلة إلى ساعة الظهر.» وخرجت أجري إلى بيتك وقابلت عم عبد الهادي الزيات على باب الحارة، وسألته عنك، قال لي إنك سافرت في الصباح وسلمت عليه من بعيد وقال لك مع السلامة يا بو زهير، وعنها ورجعت أجري للباشا ودخلت عليه كأني مجنون، وقلت له: «اسمع يا باشا! أنت تعرف أني أنا حمادة الأصفر لا أخاف ولا أخجل ولا أحد يخدعني، من قال لك إني حمار أو مغفل حتى تضحك علي في كل شهر بثلاثين جنيها؟ الورقة عندي والمحاكم موجودة وأعرف شغلي!» وأدرت له ظهري لأنصرف، فقام الباشا وأخذ يلاطفني وأمر الجميع بالانصراف ورد باب الغرفة علينا وبدأ يفاوضني، النهاية من هنا لهنا اتفقنا على ألف جنيه يقدمها إلي بصفة أمانة أكتب بها ورقة أعترف بأنها أمانة لشراء أقطان، ووعد بأن يشتري الأقطان مني بالسعر الحاضر، والمكسب لي لغاية شهر ديسمبر، وأنت تعرف الحظ إذا ابتسم يا بو زهير، في الصبح بسبعين ريال وفي المساء بثمانين ريال وبكره بتسعين ريال، النهاية في مدة شهرين يا عم سيد الألف وصلت إلى عشرة وأرجعت له الألف، ومزعنا المستند ورجعت إلى السوق من جديد حمادة أفندي وسي حمادة وحمادة بك، ولو كنت تتنازل وتزور مكتبي يا سيد بيه يكون أكبر شرف، عشرة آلاف جنيه؟ أنا أسرقها من محمد خلف؟ محمد خلف بن عم خلف المنجد، كل ثروته من سرقة الأيتام والأرامل والأمراء المعتوهين، الاختصاصي في نظارة الأوقاف وإيجارات الأملاك أنا أسرقه؟ لو كنت أعرف السرقة يا سيد أفندي، كنت أشبع وأكتسي على الأقل، ولا أخدم اللئام، ولا أنافق، ولا أشرب الزفت ولا أرتمي على أكوام الطين، لو كنت أعرف السرقة والنصب ما كنت أجري بسرعة للموت وأتمنى يومه، قل لي: دون، قل لي: حقير، قل لي: حشرة. أصدق، لكن: لص؟ لأ. لع! أبدا حمادة القذر الجائع العاري هو جسم حمادة؛ العظم واللحم والدم. ينافق ليأكل، ويشحذ ليأكل.

ويتذلل ليجد السقف في الليل، ويرضى بالإهانة من أجل القلب الجائع، ولكن من تحت الحمادة الجسم يوجد حمادة الصحيح - حمادة الحقيقي - لا يرضى أن يسرق أبدا.

ولو كنت طاوعت دفعتي في هذه اللحظة لقمت إليه وأخذته بين ذراعي، وقبلته بين عينيه المتقدتين كعيني الذئب، ولكني نظرت إليه كما أنظر إلى جدول الماء الصافي الذي يخرج من عملية تحليل مواد المجاري في مزرعة الجبل الأصفر، ماء رائق يتلألأ في نور الشمس، ولكن النفس تعافه؛ لأنها تعرف أصله.

وقلت لحمادة مخلصا: أنا آسف يا حمادة؛ لأني ظلمتك، مع السلامة.

Halaman tidak diketahui