لم أعجب عندما دعيت في اليوم التالي إلى نيابة الصحافة؛ لأني صرت منذ حين أحد نجوم الجرائم الصحفية، وكان موضوع التحقيق كالعادة مزيجا من تهم متعددة جاء في صدرها بالطبع ذكر العهد وماذا أقصد به، ودراسة فقهية طويلة لما جرى به العرف من إطلاق لفظ العهد على الملوك وحدهم، ودافعت عن نفسي قائلا كالعادة أيضا إننا في بلد دستوري لا يتحمل فيه الملك مسئولية الحكم؛ فالعهد لا يمكن أن يكون إلا للحكومة القائمة، فانتقل الحوار إلى تهمة الطعن في الحكومة والتحريض على كراهية النظام، وانتقلت بدفاعي أيضا إلى ذكر البراهين التي تدل على فساد الحكم حتى رأى المحقق الاكتفاء بأول برهانين، ورفض أن يثبت البراهين الأخرى التي هممت بأن أذكرها، ثم وجه إلي الطعنة الأخيرة التي حسبها القاضية؛ وذلك عندما سألني من تقصد بالباشا الأبله، الباشا اللص الذي جمع ثروته من سرقة الأيتام والأرامل والأمراء المعتوهين، والذي تخصص في نظارة الأوقاف وإيجار الأملاك وسرقة اليتامى؟
وشعرت بكثير من الحيرة في البحث عن طريقة أتحاشى بها إقحام شخص خلف باشا؛ إذ لا علاقة له بالحكم، فأخذت أبين أنني لا أقصد إلا المعنى العام الذي يشعر به الجميع، وهو أن السادة أصبحوا من الحثالة، فوجد المحقق فرصته وأخذ بتلابيبي.
واستمر التحقيق طول اليوم إلى أن دار رأسي من التعب وعرض المحقق علي كل ما كتبته من قبل في الأعداد السابقة، وما زال يضيق علي الخناق حتى قذفني آخر الأمر بالتعريف الجامع المانع للعيب في الذات الملكية.
فقرأ: «العيب في الذات الملكية هو ذلك الشيء الذي يمس من قريب أو بعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تصريحا أو تلميحا تلك الذات.»
فضحكت قائلا: تعريف جميل يصلح لأن يكون شركا رائعا!
وكان جوابه على ذلك أن قال: تستطيع أن تستريح الآن حتى نستأنف التحقيق فيما بعد.
فقلت محتجا: ما معنى هذا؟
فقال: الأمر بسيط يا سيدي، ستبقى تحت التحفظ حتى يتم التحقيق.
فصحت في حنق: أين نحن يا سيدي المحقق؟ رجل يستدعى في الصباح لكي يقال له في هذه الساعة أن ينتظر محجوزا حتى يتم التحقيق؟
فنظر إلي باسما كأن الأمر لا يستحق منه إلا ابتسامة، ثم قال: لك طبعا أن تطلب ما تشاء من البيت، وإذا شئت فلك أن تتصل تليفونيا بمنزلك أو بإدارة الجريدة.
Halaman tidak diketahui