أما ترتيبها: فتقدم الكلام في معاني هذه الالفاظ؛ لأنه لا يحسن أن نتكلم في وأن النظر واجب على المكلف؛ ولا أنه أول الواجبات، إلا بعد أن تعرف ما هو النظر، وما هو الواجب؟ وما هو التكليف؟ لأن العلم بالمركب نحو أن يكون مسبوقا بالعلم بمفرديه، ولا يمكن أن يحكم بمفرد على مفرد فتبينه له أو تنفيه عنه إلا بعد أن تعلم معنى كل واحد منهما على إنفراده بضرورة أو اكتساب، وتحقيق ذلك [19ب] أن العلم على ضربين: علم بالمفردات وانماهيات نحو علمنا بمعنى العالم والمحدث والقديم، وعلم بالمركبات والنسب، وهو علمنا بنسبه مفرد إلى مفرد والحكم به عليه بنفي أو إثبات، نحو علمنا أن العالم محدث أو أنه ليس بقديم، فالأول يسمى علم التصور، والثاني علم التصديق هذا في اصطلاح المنطقيين، والمتكلمون يسمون كل ما وجد منهما علما، والنحاة يسمون الأول معرفة، والثاني علما، ويسمى الأول بصورة الآية علم تصور الأشياء وماهيتها، والثاني: تصديقا لأنه علم ينسبه شيء إلى شيء، وهذا يدخله الصدق والكذب، وكل واحد من التصور والتصديق، وينقسم إلى ضروري ومكتسب، ولا يجوز أن يكون الكل ضروريا؛ لأنه لو كان كذلك لما احتجنا إلى اكتساب شيء من العلم، ولا استعتبنا عن النظر، ولا يجوز أن يكون الكل مكتسبا؛ لأنه لو كان كذلك للزم التسلسل في الحدود والأدلة، لأن كل تصور مكتسب من تصور آخر، ولا ينتهي إلى تصوره ضروري لا يحتاج إلى إكتساب، وكل تصديق يكتسب من تصديق آخر، ولا ينتهي إلى تصديق ضروري، والتسلسل محال، ولا مخلص منه إلى أن ينتهي الإكتساب من الضرورة في التصور والتصديق.
पृष्ठ 34