هذا أحزان ملكه وتوقع الدمار المحلق فوق رأس الملك إذا لم يتقدم بعلاج للموقف.
فراح يواسي الملك وينصحه بالعبارات التالية:
«مولاي، إن تقلبات الحظ متغيرة، ولهذا لا يجوز لك أن ترتاب في قواك بسبب الحادث الحالي الذي تعرض له قدرك. وإنني أعتقد أنك إذا قبلت الرأي الذي سيعرضه عليك بكل ولاء وإخلاص خادمك الأمين، فلن يكون لدي أدنى ريب في أنك ستسترد في قليل من الوقت كل ما انتزع منك بالتمرد وأنك ستحصل بالتالي على ما تريد. وستبلغ ذلك بدون أن تحتمل أي مغرم، وبدون أن تكون مضطر الدفع مرتب لجندي واحد، بل إنني لآمل أن القوى التي سأضعها بين يديك هي التي ستدفع لك.
وعند سماع الخليفة هذا الكلام طابت نفسه وسأله كيف يمكن التوصل إلى ذلك.
فتابع كلامه قائلا: «مولاي، إن العرب قد تزايدوا كثيرا حتى إن جزيرتهم لم تعد قادرة على احتوائهم جميعا اليوم، وما تنتجه تلك البلاد لا يكاد يكفيهم لتغذية ماشيتهم، لأن هذه البلاد عقيمة لدرجة كبيرة. ولا يشكو الناس هناك من فقدان الأمكنة للسكنى فحسب بل من فقدان الأقوات، وكان بإمكانهم الانتقال أكثر من مرة إلى إفريقيا فيما لو أذنت لهم بذلك. إذن امنحهم السماح بتحقيق هذا العبور. وبمقابل ذلك سأضع بين يديك مقدارا كبيرا من الذهب».
وعندما فرغ الكاتب (93) من كلامه هذا، بدا على الخليفة أنه لم يقتنع كثيرا بنصيحته. ورأى أن العرب سيكونون سبب خراب إفريقيا، وأنه لن يجني فائدة من وراء ذلك، لا هو ولا الثائر. ولكنه حينما رأى أن مملكة إفريقيا أصبحت ضائعة على كل حال من يده، وجد أن أهون الشرين هو الحصول على مبلغ كبير من المال كما زين له كاتبه، وأن ينتقم بنفس الوقت من عدوه، وذلك عوضا عن أن يخسر في آن واحد افريقيا والمال.
فطلب من مستشاره نشر مرسوم يقضي بأن كل عربي يرغب في الهجرة إلى إفريقيا سيسمح له بذلك، على أن يدفع دينارا واحدا فقط عن نفسه وعن كل فرد من أسرته، وعلى أن يقسم يمينا بأن يعامل الثائر في إفريقيا معاملة الأعداء.
وعلى أثر ذلك اجتاز البلاد قرابة عشر قبائل، أو نصف سكان جزيرة العرب المقفرة. وكان من بينهم أيضا بعض من أفخاذ قبائل اليمن. وكان عدد الرجال القادرين
पृष्ठ 54