============================================================
لنفسه بالباطل فضلا عن الحق، في الوقت الذي كان فيه للحارث وجه للدفاع عن نفسه وعن كتابه، لأنه يتحدث عن المعرفة من حيث التربية والشريعة والأمر والنهي، أما الشاب فيقصد المعرفة من حيث القسمة الإلهية الأزلية، وهي الحقيقة، فاختلف الوجهان، وكلاهما مصيب، ولكن الحارث كما قلنا قوي في ذاته الداخلية، وليس في حاجة إلى لجاجة ولا جدال ليثبت هذه القوة، أو ليضفي على نفسه قوة زائفة من الغرور والإعجاب.
7 - لم يكن عالما متخصصا يغلق فكره على فرع معين من فروع المعرفة، وإنما كان رجلا متعدد المواهب، مجيدا في كل ما اقتحمه من ميادين المعرفة فهو فقيه، محدث، أصولي، متكلم، عالم بالتحليل النفسي، خبير بالمجتمع وتحركاته الظاهرة والخفية، متطلع إلى مذاهب غيره من الفقهاء والمفكرين في أرجاء الإسلام، ناقد بصير لا سيما في قضايا الصوفية التي بدأت تختلط في عصره، ويسود أهلها في بعض أحوالهم جهل بالحديث والأخبار، وغلظة في اصدار الأحكام.
8 - كان ملتزما بكل ما يقول او يكتب ... فلم يكتب حرفا إلا التزم به سلوكا ، ومن هنا آثر الورع يوم مات آبوه، وهو في حاجة إلى دانق كما يقول الجنيد البغدادي، فرفض ميرائه من آبيه، لأنه كان يرى كفر القدرية، وليس بين أهل ملتين توارث. ورغم الخلاف في كفر القدرية، ورغم عدم مسؤوليته عما شاب مال أبيه من الحرام، فإنه آثر الورع ، وفضل الجوع على أن يقبل ما لا فيه شبهة والغريب في أمر المحاسبي، والذي لم أستطع له تفسيرا يقوم على سند مكتوب ومأثور هو آنه نجا من محنة القول بخلق القرآن، وكان معاصرا لها، وكان رأسأ من رؤوس العلم، وصاحب مدرسة كبرى يمكن أن يفيد منها القاضي أحمد بن أبي دؤاد في نحلته التي انبرى لنصرتها.
كان المحاسبي يهاجم المعتزلة وغيرها من الفرق، وكان هجومه على المعتزلة
पृष्ठ 24