وآل سنان يحكمون في بلادهم في جماعتهم على عادتهم، بل ومن دعى من أهل السنة إليهم. أمر الحبس راجع إليهم، والأعوان تختص بهم. والإسجالات تثبت عليهم، والسراج يستعين بأعوانهم وحسبهم. ودام نيفا على أربعين سنة، إلى أن سافر بحرا للتداوي. فمات قبل وصوله لمصر سنة ست وعشرين وسبعمائة.
فاستقر في القضاء بعده من كان نائبه في الوظائف، وهو العلم يعقوب بن جمال القرشي الهاشمي المقري. فكان يشدد في الأحكام، سيما على الخدام. فإنه منعهم من الشمع والدراهم، وغير ذلك مما يجمعونه في صندوق النذور أيام الموسم. قائلا لهم: إن هذا يجري في مصالح الحرم. فلا يجوز لكم قسمته بينكم، وما هو محق فيه. فتضايقوا من ذلك وعز عليهم. فغلبهم عليه ولم يصرف لهم منه شيئا.
وأما الخطابة والإمامة: فاستقر فيهما-بعد السراج-البهاء بن سلامة المصري. فأقام فيهما سنتين. ثم استعفى، لكونه لم ير نفسه أهلا لما شرطه الواقف من معرفة الفرائض والقراءات.
فاستقر بعده فيهما: الشرف أبو الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم العثماني اللخمي الأميوطي. ثم أضيف إليه القضاء بعد ابن جماز. فشدد على الأشراف وسقاهم المر، وأذاقهم الصبر. وسطا على الإمامية، ووبهم في المحافل، وسبهم على المنبر، بحيث نزل مرة من المنبر لضرب واحد منهم تنفل كهيئة الظهر، وأبطل صلاة ليلة نصف شعبان المبتدعة، مع بدع كثيرة، وأيد السنة، ومع ذلك فلم ينهض لرفع أحكام الإمامية.
واستناب صهره البدر حسن الآتي، والفقيه أحمد الخراساني الفاسي، ثم أبو العباس أحمد التادلي، ثم عزله واستناب الجمال المطري في جميع الوظائف وفي الإمامة والخطابة-حين غيبته بالقاهرة سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة-المقري إبراهيم بن سعود السروري، ودام الشرف في القضاء سبع عشر سنة، ومات سنة خمس وأربعين، فولي الثلاثة بعده: الثقي عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني، وقدمها في ذي الحجة، ولحسن سياسة نائبه-البدر عبد الله بن محمد بن فرحون-أعرض الناس عن قضاة الإمامية واعتزلوهم، ووقع التشديد عليهم في نكاح المنعة، والتنكيل بفاعلها وعزز من تكلم في الصحابة، وأخمدت البدعة وأظهرت السنة.
ثم سافر الهوريني مع الركب من السنة التي تليها ليداوي بصره أيضا، فصرف عن الثلاثة بعمر بن الصدر المتوفى سنة خمسين، ثم عيد عن قرب، قاله شيخنا، والأشبه: أن عزله إنما كان بصهر الشرف الأميوطي، البدر حسن بن أحمد القيسي.
وقدم المدينة في ذي الحجة سنة ثمان وأربعين، ورام اقتفاء صهره في التشديد على
1 / 29