وعجبوا أن جاءهم منذر منهم
[ص: 4]، و
قالوا أبعث الله بشرا رسولا
[الإسراء: 94] فتكون الآية جوابا لقولهم إنما يكون الرسول ملكا لا بشرا لأن الملك أقوى وأعلم على قهر على ما يرسل به. أو لو جعلنا المنزل من ملك شاهدا بالنبوءة، أو ملكا مرسلا، وهذا يعم ذلك كله، وقيل لو جعلنا مكان النبئ ملكا كما قال الله عز وجل
ولو شاء الله لأنزل ملائكة
[المؤمنون: 24] { لجعلناه رجلا } بحسب الظاهر كما يرسل جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم بصورة دحية الكلبى، وكما جاء الملكان إلى داود بصورة رجلين خصمين، والملائكة بصورة أضياف إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام، لأن البشر لا يقوى على معاينة صورة الملك إلا بعض الرسل في بعض الأحيان، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل بصورته فصعق، وعن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته مرتين، مرة فى الأرض فى أجياد، ومرة فى السماء، وفى الآية أن المرأة لا تكون رسولا، وذلك إجماع وإنما الخلاف فى نبوءتها. { وللبسنا عليهم } خلطنا عليهم جعله رجلا، والإيتان بما يشتبه { ما يلبسون } ما يخلطون على أنفسهم وعلى غيرهم فما يفيدهم جعله رجلا شيئا، فلا يزالون يطلبون شاهدا ملكا أو رسولا ملكا، ويقولون للملك الذى بصورة الرجل ما أنت إلا بشر مثلنا، ويزيدون تحيرا، ويجوز أن يكون المعنى: ولأعناهم بجعله رجلا على الكفر وذلك لا يليق بشأننا، أو لزدناهم ضلالا على ضلالهم، وما اسم، أى لخلطنا شأنهم الذى يخلطونه وقلبناه، أو حرف مصدر، أى لخلطنا عليهم تخليطا مثل تخليطهم على أنفسهم وعلى غيرهم، وبيان تخليطهم على غيرهم أنهم يقولون لضعفائهم أنه لا يكون الرسل إلا ملائكة.
[6.10]
{ ولقد استهزئ } أكد الله جل وعلا بالقسم واللام وقد تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم على استهزاء قومه كأبى جهل والنضر والوليد وأمية، وأن يصبر كما صبر الرسل الذين استهزأ بهم أقوامهم، أى والله لقد استهزئ { برسل } كثير عظام، فصبروا، فاصبر مثلهم أو أكثر { من قبلك } نعت لرسل أو متعلق باستهزئ { فحاق } أى نزل، ولا يستعمل إلا فى الشر { بالذين } أى بالأقوام الذين { سخروا } استهزءوا، وكل منهما بمعنى الاحتقار، إلا أنه يقال استهزأ به بالباء لا بمن، ويقال سخر منه وبه، بالباء أوبمن، كما قال هنا { منهم } من الرسل وهذا وعيد لأهل مكة أن يحيق بهم على استهزائهم برسلهم ما نزل على الأمم لاستهزائهم برسلهم، كإغراق قوم نوح، وإحصاب قوم هود وإرسال الريح عليهم والحجارة على قوم لوط والصيحة على نمرود وقوم شعيب وهو العقاب المذكور بقوله تعالى { ما كانوا به يستهزئون } أى العذاب الذى كانوا يستهزئون به ويكذبون الإخبار بإتيانه إن لم يتوبوا، أو حاق بهم جزاء ما استهزءوا به من الكتب والمعجزات أى الجزاء الذى يستحقونه باستهزائهم بتلك، والاستهزاء بالكتب والمعجزات استهزاء بالرسل، ولا حاجة إلى دعوى أن المعنى فحاق بالذين سخروا منهم جزاء الاستهزاء الذى استهزءوا به، أى الذى أوقعوه، ولا إلى دعوى رد هاء به إلى الرسول بالإفراد والمراد به الحقيقة.
[6.11]
{ قل } لقومك { سيروا فى الأرض } إذا أردتم السير فيها لمصالحكم، كالتجارة وزيارة أرحامكم وأصدقائكم، وتعلم الطب والصنايع بحسب ما اتفق من ذلك، أو أنشئوا السير لمجرد النظر والاعتبار، ولو بلا قصد تجارة، أو للتجارة أو نحوها وللاعتبار معا { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } من العذاب، وليخف قومك مثله لتكذيبك، ثم تراخ فى الزمان لأن بين مكة التى يسيرون منها وبني مواضع هلاك الأمم مسافة بعيدة، والنظر فى آثار الهالكين لا يمكن قبل وصولهم إليها، أو ثم لتراخى الرتبة إذ رتبة النظر لوجوبها متراخية من رتبة التجارة ونحوها من المباحات، ولا يعدون زيادة الرحم عبادة لشركهم، أو سيروا وجوبا لقصد النظر، ثم انظروا إذا وصلتم ورأيتم، فثم لتفاوت ما بين الواجبين والسير وجب لترتب النظر عليه، وللوسائل حكم المقاصد والنظر أوجب منه لأنه ذاتى والسير للنظر وسيلة، وذلك كما وجب إعداد الدلو لمن لا يجد الماء للوضوء مثلا إلا به، ويجوز أن تكون ثم لملطلق الجمع كالواو، وأما قوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ