وقلنا: إن هذا النفع ثواب.
لأن ما عداه من ضروب المنافع يحسن منه تعالى الابتداء بها، فلا يجوز أن يكلف المشاق لما يحسن الابتداء به، لأن ذلك عبث لا يجوز عليه سبحانه.
وقلنا: إن الثواب مما يقبح الابتداء به.
لكونه نفعا واقعا على جهة الاعظام مقترنا بالمدح والتبجيل، ومعلوم ضرورة قبح الابتداء بالمدح والتعظيم، وإنما يحسن مستحقا على الأمور الشاقة الواقعة عن إيثار، ولذلك اختصت منافع من ليس بعاقل من الأحياء بالتفضل والعوض دونه، لتعذر استحقاقهم له.
ووجود الجماد لنفع الحي ظاهر في أكثره، وما لا يعلم ذلك من حاله تفصيلا فمعلوم على الجملة، من حيث كان خلاف ذلك يقتضي كون موجده سبحانه عابثا، وذلك فاسد.
ولا يقدح في حسن تكليف العاقل للوجه الذي بيناه تكليف من علم من حاله أنه يكفر أو يعصي، لأن الوجه الذي حسن تكليف من علم من حاله أنه يؤمن قائم فيه، وهو التعريض للثواب، وكونه سبحانه عالما من حاله أنه لا ينتفع بما عرض له لا ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه، لأن المعرض للنفع الممكن من الوصول إليه محسن إلى المعرض وإن علم أو ظن أنه لا ينتفع، بل يستضر بسوء اختياره.
يوضح ذلك: حسن عرض الطعام على الجائع، وإدلاء الحبل إلى الغريق لينجو وإن ظن أنهما لا يفعلان.
والقديم سبحانه وإن علم في من عرضه بتكليفه لنفع عظيم أنه لا يقبل ما يصل به إليه، بل بسوء (1) النظر لنفسه، فيختار هلاكه على بصيرة من أمره
पृष्ठ 116