قالوا فقد قال تعالى (وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) وذلك يدل على أنه تعالى يضل ويهدي لا كما تقولون بأنه تعالى لا يجوز عليه ذلك «قلنا» انا انما ننكر أن يضل تعالى عن الدين بخلق الكفر والمعاصي وارادتها كما ننكر أن يأمر بها ويرغب فيها ولا ننكر أن يضل من استحق الضلال بكفره وفسقه وقد نص الله تعالى على ما نقوله في تفسير هذه الآية ودل عليه لانه قال (وما يضل به إلا الفاسقين) فنبه بذلك على أن قوله «يضل به كثيرا» أريد به يضل بالكفر به كثيرا والا كان لا يكون لقوله (وما يضل به إلا الفاسقين) معنى لان غير الفاسقين يضلهم على قول القوم ثم انه تعالى وصف من يضله فقال «الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» فبين تعالى أنه يضلهم بهذه الخصال لا أنه يبدؤهم بالضلالة وعلى هذا الوجه قال «فريقا هدى» أي الى الثواب «وفريقا حق عليهم الضلالة» بين كيف حق ذلك فقال «إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله» وعلى هذا الوجه قال «ويضل الله الظالمين» فخصهم بذلك وقال «ومن يؤمن بالله يهد قلبه» أي الى الثواب وقال (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم) (ربهم بإيمانهم) وقال (والذين اهتدوا زادهم هدى) وقال (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) أي بالالطاف والتأييد وقال تعالى (إن علينا للهدى) أي بالادلة وقال (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) أي بالأدلة وقال (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) وقال تعالى (ومن يهد الله فهو المهتد) أي بقبوله لذلك وقال (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا) وذم تعالى الشيطان وفرعون والسامري بما كان منهم من الضلال فالاضلال من الله تعالى مخالف لإضلالهم لا كما يقوله المجبرة والقدرية الذين يضيفون تقدير الفواحش إلى ربهم فنقول إنه تعالى هدى الخلق بالأدلة والبيان ويهدي من آمن بالثواب خاصة ويهديهم أيضا بالالطاف ونقول انه يضل من استحق العقاب بالمعاقبة وبأن يعدلهم عن طريق الجنة وبأن لا يفعل بهم من الألطاف ما ينفعهم ولا نقول انه يضل عن الدين بأن يخلق الضلال فيهم ولا انه يريده ولا انه يدعوهم اليه لان ذلك هو الذي يليق بالشياطين والفراعنة وانما قال تعالى (يضل به كثيرا) وأراد يعاقب بالكفر به (ويهدي به كثيرا) أي يثيب بالايمان به كثيرا ويجوز إضافة هذا الضلال إلى نفسه وقد قيل أيضا انهم لما ضلوا عنده جاز أن يضاف إلى نفسه كما قال تعالى (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا) ثم قال من بعد (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فأضاف ايمانهم وكفرهم إلى السورة لما آمن بعضهم عند نزولها وكفر بعضهم فكذلك أضاف هذا الضلال إلى نفسه لما كفروا بالمثل عند نزوله ثم بين تعالى بقوله (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) على أن الكفر من قبلهم وانهم قد كفروا نعمة ربهم وعدد نعمه عليهم معظما لذنبهم وكفرهم لأن عظم النعمة تعظم معصية المنعم ونعم الله علينا لا يدانيها نعم فلذلك يكون اليسير من المعاصي عظيما كما يكون اليسير من عقوق الوالد البار عظيما ودل بذلك على بطلان قول من يقول خلق الله فريقا للكفر وفريقا للايمان لان ذلك لو صح لكان لا نعمة له على من خلقه للكفر والنار.
[مسألة]
قالوا ما معنى قوله تعالى (ثم استوى إلى السماء).
وجوابنا ان المراد ثم قصد خلق السماء لأن الاستواء عليه تعالى على الحد الذي يجوز على أشخاص لا يجوز ولذلك قال تعالى بعده (فسواهن سبع سماوات).
[مسألة]
ان قيل أنتم تنزهون الملائكة عن المعاصي فكيف قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أفليس هذا القول منهم كالاعتراض على ربهم.
وجوابنا انه تعالى أعلمهم طريقهم في العبادة وانه سيسكن الارض من يقع من بعضهم الفساد والقتل فلما قال تعالى وقد صور آدم وخلقه (إني جاعل في الأرض خليفة) قالوا على وجه المسألة والتعرف (أتجعل فيها من يفسد فيها) وعلى هذا الوجه يحسن ذلك ولذلك جعل تعالى جوابهم (إني أعلم ما لا تعلمون) فبين سبحانه وتعالى انه العالم بالمصالح المستقبلة فاذا كان في معلومها ما يظهر من الفضل والعلم من الانبياء والمؤمنين كان ذلك أصلح في الحكم.
[مسألة]
पृष्ठ 21