جعل نظرة عينه إلى ما شاهده راحة كف فيها كأس المشاهدة لوجه الحضرة ، وهو مشاهدته إلى الله بصفاته ، والوجه أول ظهور الشيء إذ لا آخر لصفات الله ، فهي حضرة جلت أن توصف بالحسن الذي يوصف به المخلوقين ، ولا أن يشاهد كلها كما يشاهد حسن المخلوقين كله، إذ لا كل لصفات الله، إذ كل صفة[25/أ] لله فهي بلا نهاية ، ثم قال :
فأوهمت صحبي أن شرب شرابهم ... به سر سري في انتشائي وصحوتي (¬1)
أي هم يشاء الله تعالى بالحضرات المقيدة بشيء من صفاته ، وليس المراد مشاهدة الذات ، بل هو قوة حضور ذكر القلب مع الله تعالى ، وذلك يشاهد الله تعالى بصفاته بالحضرات المطلقة ، فكان الفناء أغلب عليه حتى عن ذكر أصحابه وعن نفسه فقال :
ففي حان سكري ،حان شكري لفتية ... بهم تم لي كتم الهوى مع شهرتي (¬2)
أي حان وداعه لهم وشكره عليهم إذ فضل عنهم بقصور[50/ب] مراتبهم عن مرتبته فلو ساووه لم يكن أفضل منهم .
بيان : وبعد مراتب الفنى[هم] (¬3) درجات الجمع ، وهي درجة الأنبياء ، فإنهم على قوة حضورهم مع الله تعالى بالحضرات المطلقة عقولهم حاضرة مع الخلق للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والقيام بالمصالح ثم الفناء [43/ج] بالحضرات على وجهين : حضور مع الله مع فناءه عن نظر المخلوقات ، وحضور مع الله فيما خلق .
وأعلى الحضرات الإلهية الدرجة الأحديه ، وهي درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يشاهد الله تعالى بجميع ما يعرفه به من الصفات ، وبجميع ما يشاهده من الكائنات ، فهو جامع للوجهين ، وفي الحضور إلى الله تعالى بهذه الحضرات يبلغ درجات المكاشفة ، ولكن لا يقصدها السالكون بل الله يكاشفهم ، فيرون ما لا يرى غيرهم .
[
¬__________
(¬1) ابن الفارض ، الديوان ص 26 ، و يوجد في الديوان بدل " صحوتي " ، " بنظرة " .
(¬2) ابن الفارض ، الديوان ، ص26 ، و يوجد في المخطوطة ، بدل " لفتية " ، " لأحبتي " و اعتمدنا ما في الديوان .
(¬3) زائدة في ب ولا معنى لها.
पृष्ठ 78