عيون العقل]
بيان : وذلك أن للعقل ثلاث عيون مثلا عين البصيرة ، وعين الغزيرية ، والعين المديرة ، وهي النفس الأمارة بالسوء ، وهي محل مجئ الشيطان ، فيها يخيل إليها القبيح حسنا ويعلمها ذلك ، وقال أكثر العلماء أن محل العين البصيرة علوم الآخرة من (¬1) الدين ، ومحل العين الغزيرية العلوم الدنياوية ، ولذلك يرى كثير العلم وهو من علماء السوء ، وقليل العلم طائعا لله تعالى .
والحق معي بخلاف ذلك ؛ لأن كثير من العلماء[51/ب] تفحل في تدقيق علم الشريعة والتوحيد ، وهو من علماء السوء ، وإنما الحق أن العين البصيرة لا يتجلى منها إلا نور محبة الله تعالى للمرء ، فيتجلى فيها كالشمس في المرآة ، فيحب المرء الله تعالى ، ويشرق نورها على نور الغزيرية ، فيرى حقائق الكمالات في كل شيء ، وينظر الكمالات الخيالية الفاسدة ، فيصرفها عن نفسه ، ويحدث إليه عين النفس فيشرق الجميع بنور الله تعالى .
ومحل العين الغزيرية [44/ج] جميع العلوم والحكم ، ولكن سماه الحقائق ونجومه لا تنظر كمالاته بها ، فهو كما[26/أ] ينظر الرجل من بعد ولا ينظر صورته حسنها وقبحها ، ولا يعرف أخلاقه ومعرفته وبلادته ، فإذا دنا منه وعرفه عرف ذلك ، فجميع الكمالات الخيإلىة ، والحجب المانعة عن درجات الحضور هي بمنزلة السحاب الحائل بين السماء وشمسه ونجومه عن مرآة العين الغزيرية ، ومانعة من أعماله الغير المرضية ، مانعة عن مصباح العين البصيرة الذي منه يشرق نور المحبة الإلهية، فإذا خلا فساده زال سواد ذلك ، وانفتح وأشرقت نور شمس المحبة الإلهية ، ونظر به حقائق الكمالات الحقيقية وحسنها[ فيميل حبه] (¬2) إليها ، ويقبل على طاعة العين البصيرة بما تأمره، وهي بمنزلة القائل الطائع لله تعالى ، ولا يدعوه إلا إلى طاعة الله ، فإذا أطاعتها العين الغزيرية صار طائعا لله تعالى .
¬__________
(¬1) في ب والدين.
(¬2) فهي راجعة ]في ب.
पृष्ठ 79