عنه -: "أن الدخان اثنان، أحدهما: وقع في زمن النبوة لأهل مكة - كما ذكر ابن مسعود - والآخر: من أشراط الساعة"، ولا يخلو هذا من نظر. فإن الذي رآه أهل مكة ليس حقيقة ١، الدخان بل شيء كهيئته يخيل إليهم من الجهد والجوع، وأيضا فغزوة بدر كانت على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم النبي ﷺ المدينة، وهذا الجهد الذي أخذ أهل مكة لم يكن والنبي ﷺ بين أظهرهم قطعا، بل بعد الهجرة، ومقتضى قول ابن مسعود ﵁ أن أهل مكة أصابتهم سنة شديدة ثم أخصبوا وكابدوا تعدّي حال الجهد، فعادوا بعده. وأن الله ﷿ وعدهم بعد ذلك بيوم بدر، ومقتضى هذا أن تكون آيات الدخان مدنية، ولم يعدها أحد من أمته كذلك أصلا ٢. وأيضا في الصحيحين عن أبي هريرة أنه شهد القنوت من النبي ٣ ﷺ: "اللهم انج الوليد بن الوليد...". الحديث، وفيه: "اللهم اشدد وطئتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" ٤ قال: "ثم رأيته ترك الدعاء بعد ذلك، هذا يدل على أن دعاءه بسنين كسني ٥ يوسف، كان بعد إسلام أبي هريرة، وغنما أسلم بعد بدر ٦، والكلام في هذا مشهور، والمقصود الإشكال ما ذكره البخاري في قضية الاستسقاء لأهل مكة ٧، فإنه - والله أعلم - وهم دخل به حديث في حديث من بعض الرواة ٨، ودام المطر سبعا، ثم الدعاء بكشفه إنما كان لأهل المدينة، ومن حولهم من المسلمين، كما رواه أنس بن مالك ﵁، من عدّة طرق عنه، وأن السائل لذلك كان من المسلمين، قاله يوم الجمعة، والنبي ﷺ على المنبر كما هو مشهور في دواوين الإسلام ٩، وإلا فإذا دعا لأهل مكة بالمطر أي تعلق لأهل المدينة به حتى يسألوا
_________
١ قال ابن كثير: "ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ . (ابن كثير ٤/١٤٠) .
٢ يعني أنها مكية باتفاق.
٣ ٩/ب.
٤ أخرجه البخاري في عدة مواضع. منها انظر (صف٢/٢٩٠، ٤٩٢، ٦/١٠٥، ٤١٨، ٨/٢٢٦. مسلم ١/٤٦٧.
٥ في الأصل: كسنين يوسف، بإثبات النون في جميع المواضع.
٦ أسلم ﵁ عام خيبر، وشهدها مع رسول الله ﷺ. انظر مثلا (أسد الغابة ٥/٣١٦) .
٧ تقدم الحديث.،أخرجه البخاري في الاستسقاء ١/١٩.
٨ قال بهذا الداودي وغيره، فيما ذكره الحافظ. قال:" ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله: "وشكا الناس كثرة المطر...الخ" وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث...، ثم قال: "وليس هذا التعقب عندي بجيد، إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتين...، ثم أيّد عدم غلط أسباط، بأنه في بعض روايات الحديث (فقيل: يا رسول الله استسق لمضر، فإنها قد هلكت، قال: لمضر؟!، إنك لجريء، فاستسقى فسقوا". وذكر أن القائل: أبو سفيان، لتصريح كثير من الطرق به، وفي رواية عن كعب بن مرة - أو مرة بن كعب - قال: "دعا رسول الله ﷺ، فأتاه أبو سفيان فقال: "ادع الله لقومك..."الحديث. ورواه أحمد من طريق كعب بن مرة، بدون شك، فأبهم أبا سفيان، قال الحافظ: "فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان وهو طلب الدعاء - وكعب بشيء - وهو قوله: "يا رسول الله استنصرت الله فنصرك دعوت الله فأجابك". فدل ذلك على اتحاد قصتهما. (الفتح ٢/٥١١،٥١٢) بتصرف.
٩ خ ٢/١٢،١٧،١٨. وهذا مثال لما ذكر المصنف ﵀.
1 / 70