صبي، ولا أكل من جهة لا يتبين حلها، وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله تعالى.
وقال الإمام ناصح الدين بن الحنبلي: اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره، وكانت مجالسه الوعظية جامعة للحسن والإحسان باجتماع طراق بغداد وانضياف الناس، وحسن الكلمات المسجعة، والمعاني المودعة، والألفاظ الرابحة، وقراءة القرآن بالأصوات المرجعة، والنغمات المطربة، وصيحات الواجدين، ودمعات الخاشعين، وإنابة النادمين، وذل التائبين، والإحسان بما يفاض على المستمعين من رحمة أرحم الراحمين.
ولا سافر إلا إلى مكة، ولقد كان جمالًا لأهل بغداد خاصة، وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لحضرة القدس من القدس.
قال ابن الدبيثي في "ذيله على تاريخ ابن السمعاني": إليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وله من المسانيد والأبواب والرجال ومعرفة ما يحتج به في أبواب الأحكام والفقه، وما لا يحتج به من الأحاديث الواهية والموضوعة والانقطاع والاتصال، وله في الوعظ العبارة الرائقة، والإشارة الفائقة، والمعاني الدقيقة، والاستعارة الرشيقة، وكان من أحسن الناس كلامًا، وأتمهم نظامًا، وأعذبهم لسانًا، وأجودهم بيانًا، وبورك له في عمره وعلمه، فروى الكثير، وسمع منه الناس أكثر من أربعين سنة، وحدث بمصنفاته مرارًا.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيفَ الصوت، حلوَ الشمائل، رخيمَ النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مئة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئًا، يكتب في اليوم أربعة كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ، وأما السجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، إن ارتجل أجاد، وإن روى أبدع.
1 / 55