وله في الطب كتاب "اللقط"، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة، جل غذاءه الفراريخ والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس: الأبيض الناعم المطيب.
ونشأ يتيمًا على العفاف والصلاح، وله ذهن وَقَّاد، وجوابٌ حاضر، ومجون لطيف، ومداعبات حلوة لا ينفك من جارية حسناء.
وذكر غير واحد أنه شرب حب البلادر، فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدًا، وكان يخضبها بالسواد، وصنف في جواز الخضاب بالسواد مجلدًا.
وذكره ابن البزوري في "تاريخه"، وأطنب في وصفه، فقال: أصبح في مذهبه إمامًا يشار إليه، ويعقد الخنصر في وقته عليه، بنى لنفسه مدرسة، ووقف عليها كتبه، برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء عصره، وعلا على فضلاء دهره.
له التصانيف العديدة، سئل عن عددها، فقال: زيادة على ثلاث مئة وأربعين مصنفًا، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو كراس واحد، ولم يترك فنًا من الفنون إلا وله فيه مصنف، كان واحدَ زمانه، وما أظنُّ الزمان يسمح بمثله، وكان إذا وعظ، اختلس القلوب، وشقق النفوس دونَ الجيوب.
وذكره العماد الكاتب في "الخريدة"، وابن خلكان، والحموي، وابن النجار، وأبو شامة، وغيرهم، وأثنوا عليه، مع أن اشتهاره بالعلوم والفضائل يغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره، فقد بلغ ذكرُه مبلغَ الليل والنهار، وسارت بتصانيفه الركبانُ إلى أقطار الأرض.
وقال ابن النجار: له حظ من الأذواق الصحيحة، ونصيب من شرب حلاوة المناجاة.
وقد ذكر ابن القادسي: أنه كان يقوم الليل، ولا يكاد يفتر عن ذكر الله، ورأى ربَّ العزة في منامه ثلاث مرات، ومع هذا، فللناس فيه ﵀ كلام من وجوه: منها: كثرة أغلاطه في تصانيفه، وعذرُه في هذا واضح، وهو أنه مكثر من التصانيف؛ فيصنف الكتاب ولا يعتبره، بل يشتغل بغيره، ولولا ذلك، لم
1 / 56