الثَّالِث أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْعَامَّة لَا يكلفون الِاجْتِهَاد فِي أحكامهم وَأَن لَهُم تَقْلِيد الْعلمَاء فِي أُمُورهم وَكَذَلِكَ أَمرهم الله تَعَالَى بسؤال عُلَمَائهمْ فَقَالَ ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾
الرَّابِع أَن فِي القَوْل بِوُجُوب الِاجْتِهَاد على الْكل حكما على عَامَّة الْخلق بالضلال لتضييعهم الْوَاجِب عَلَيْهِم
وَإِنَّمَا الَّذِي قيل إِنَّه لَا يجوز لَهُم التَّقْلِيد هُوَ الْأَمر الظَّاهِر الَّذِي قد علموه لظُهُوره من غير احْتِيَاج إِلَى تَعب وَلَا فكر وَلَا نظر كتوحيد الله ﷾ ورسالة مُحَمَّد ﷺ وَمَعْرِفَة وجوب الصَّلَوَات الْخمس وَصَوْم رَمَضَان وَسَائِر الْأَركان الَّتِي اشْتهر وُجُوبهَا وَعلم ذَلِك بِالْإِجْمَاع عَلَيْهَا فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى بحث وَلَا نظر فَهَذَا لَا يجوز تقليدهم فِيهِ
وَأما دقائق الاعتقادات وتفاصيل أَحْكَام الْعِبَادَات والبياعات فَمَا يَقُول بِوُجُوب اجتهادهم فِيهَا إِلَّا جَاهِل وَهُوَ بَاطِل بِمَا ذَكرْنَاهُ
ثمَّ إِن اغْترَّ مغتر بقول ابْن عقيل هَذَا وَلم يقنع بِاتِّبَاع سلفه وَلَا رَضِي بِاتِّبَاع أئمته وَلم يجوز تقليدهم فِي مثل السُّكُوت عَن تَأْوِيل الصِّفَات الَّتِي وَقع الْكَلَام فِيهَا فَكيف يصنع فَهَل لَهُ سَبِيل إِلَى معرفَة الصَّحِيح من ذَلِك بِاجْتِهَاد نَفسه وَنظر عقله وَمَتى يَنْتَهِي إِلَى حد يُمكنهُ التَّمْيِيز بَين صَحِيح الدَّلِيل وفاسده فَهَذَا ابْن عقيل الَّذِي زعم أَنه استفرغ وَسعه فِي علم الْكَلَام مَعَ الذكاء والفطنة فِي طول زَمَانه مَا أَفْلح وَلَا وفْق لرشد بل أفْضى أمره إِلَى ارْتِكَاب الْبدع المضلات وَالْخَطَأ الْقَبِيح ومفارقة الصَّوَاب حَتَّى استتيب من مقَالَته وَأقر على نَفسه ببدعته وضلالته
فَأَنت أَيهَا المغتر بقوله هَذَا مَتى تبلغ إِلَى دَرَجَته فَإِذا بلغتهَا فَمَا الَّذِي أعْجبك من حَالَته حَتَّى تقتدي بِهِ وَقد ذكرنَا مَا قَالَه الْأَئِمَّة فِي ذمّ الْكَلَام وَأَهله ونسأل الله السَّلامَة
الْوَجْه الْخَامِس إننا إِذا نَظرنَا فِي الدَّلِيل وَجَدْنَاهُ يقْضِي خلاف مَا دَعَا
1 / 49