[البقرة: 188] تحرج المسلمون من مؤاكلة الزمنى والعمي والمرضى والأعرج، وقالوا: الأعمى لا يبصر، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، وقيل: نزلت في الأكل من بيوت الغزاة إذا خلفوهم في منازلهم، وكانوا يخلفون الزمنى والعمي فيدفعون المفاتيح اليهم، وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غازيا وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهودا، فسأله فقال: تحرجت أن آكل طعامك بغير أمرك فنزلت الآية، وفي جميع ما تقدم قولان: أحدهما رفع الحرج في المؤاكلة يعني لا حرج في مؤاكلة هؤلاء، وقيل: لا ضيق عليكم في مؤاكلة الغزاة إذا خلفتم فيها بإذنهم، وقيل: لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد، والوجه الأول لأنه لم يذكر الجهاد هنا { ولا على أنفسكم } قيل: يتصل بما قبله، وقيل: كان الرجل إذا وجد في بيته شيئا لم يعلم من أين اكتسبه تحرج عن أكله فأباح له ذلك، ثم رخص الأكل من بيوت عدة من الأقارب إلى قوله: { خالاتكم } ، وقيل: أباح الأكل من بيوت هؤلاء من غير إذن، وقيل: ما جرت من العادة في أن يكون مثله مباحا، وكذلك عطف عليه الصديق والآية تدل على أن الآية في الأكل من بيوت هؤلاء، وإنما المراد به مع الإذن، وفي الحديث:
" لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه "
، وقول من يقول: هو حكم ثابت فبعيد لأن مال الغير لا يحل { أو ما ملكتم مفاتحه } وهو أموال الرجال إذا كان لهم عليها وكيل يحفظها له فله أن يأكل من تمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته، وملك المفاتيح كونها في يده وحفظه، وقيل: بيوت المماليك لأن مال العبد لمولاه { أو صديقكم } قال جار الله: فإن قلت: ما معنى: { أو صديقكم }؟ قلت : معناه أو بيوت أصدقائكم، والصديق يكون واحدا وجمعا، قيل: كان للرجل أن يدخل بيت صديقه ويأكل من طعامه من غير إذن، وقيل: هو الصديق في الدين وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كسبه، فيأخذ منه ما شاء، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها مسرورا بذلك، ويحكى عن الحسن أنه دخل داره فإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون منها، فتهللت أسارير وجهه وضحك وقال: هكذا وجدناهم، يريد كبراء الصحابة { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا } أي مجتمعين ومتفرقين، والآية نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظرا نهاره إلى الليل، فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة، وقيل: في قوم من الأنصار كان إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم، وقيل: تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض { فإذا دخلتم بيوتا } من هذه البيوت لتأكلوا فابدأوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة { تحية من عند الله } أي ثابتة مشروعة، ووصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير، وعن أنس قال:
" خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا قال لي لشيء تركته: لم تركته؟ وكنت واقفا على رأسه أصب الماء على يده، فرفع رأسه وقال: " ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها؟ " قلت: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: " متى لقيت من أمتي أحدا فسلم عليه يطل عمرك، وإذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين "
، وقال:
" إن لم يكن في البيت أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته "
، وعن ابن عباس: إذا دخلت المسجد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقيل : إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أنفسكم وعيالكم.
[24.62-64]
قوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } يعني ليس المؤمن المستحق للمدح إلا من كان بهذه الصفة { وإذا كانوا معه على أمر جامع } الأمر الجامع هو الحرب والغزو والأمور التي يحتاج فيها إلى العدد والقوة { لم يذهبوا } ولم يتفرقوا عنه { حتى يستأذنوه } حتى يطلبوا إذنه في الخروج { إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم } أمرهم وحاجتهم { فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم } { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } فيقولوا: يا محمد يا أبا القاسم ولكن ادعوه بالتعظيم، وقولوا يا رسول الله مع التوقير والتعظيم والتواضع، ويحتمل ألا تجعلوا نداء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم يسأله حاجة فربما أجابه وربما رده، فإن دعوة رسول الله مسموعة مستجابة { قد يعلم الله الذين يتسللون } يعني من مجمع الرسول بغير إذنه مسارقة، والآية نزلت في المنافقين، وكان المنافقين ينصرفون لواذا مستخفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفرارا من الجهاد { فليحذر الذين يخالفون } أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } موجع، وقيل: الزلزال والأهوال، وقيل: سلطانا يتسلط عليهم، وقيل: هو عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، وقيل: يظهر ما في قلوبهم من النفاق { ألا إن لله ما في السماوات وما في الأرض } ، ملكا وخلقا { قد يعلم ما أنتم عليه } من طاعتكم ومعصيتكم { ويوم يرجعون إليه } إلى حكمه { فينبئهم بما عملوا } يخبرهم بأعمالهم في الدنيا ويجازيهم عليها { والله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه شيء.
[25 - سورة الفرقان]
अज्ञात पृष्ठ