قال أبو تمام:
السيف أصدقُ أنباء من الكتبِ ... في حده الحدُ بين الجد واللعبِ
بيض الصفائح لا سودُ الصحائف في ... متونهنَّ جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ
تخرصًا وأحاديثًا ملفقةً ... ليست بنبع إذا عدتْ ولا غربِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دارَ في فلكٍ منها وفي قطبِ
لم يعلم الكفرُ كم من أعصر كمنتْ ... له العواقبُ بين السمر والقضبِ
تدبير معتصم بالله منتقمٍ ... لله مرتغبٍ في الله مرتقبِ
ومطعم النصر لم تكهمْ أسنتهُ ... يومًا ولا حجبتْ عن روح محتجبِ
لم يرمِ قومًا ولم ينهد إلى بلدٍ ... إلا تقدمه جيشٌ من الرعبِ
لو لم يقدْ جحفلًا يوم الوغى لغدا ... من نفسه وحدها في جحفلٍ لجبِ
هيهات زعزعتِ الأرض الوقور به ... عن غزوِ محتسبٍ لا غزوِ مكتسبِ
لم ينفقِ الذهب المربي بكثرته ... على الحصى وبه فقر إلى الذهبِ
إن الأسود أسود الغابِ همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
قال أيضًا:
في موقفٍ وقف الموتُ الزعافُ به ... فالمجدُ يوجد والأرواح تفتقدُ
صدعت جِريتهم في عصبةٍ قللٍ ... قد صرح الماء عنها وانجلى الزبدَ
من كلِّ أروع ترتاعُ المنون له ... إذا تجرد لا نكسٌ ولا جحدُ
يكاد حين يلاقي القرنَ من حنقٍ ... قبل السنان على حوبائه يردُ
فلوا ولكنهم طابوا فأنجدهم ... جيشٌ من الصبر لا يحصى له عددُ
إذا رأوا المنايا عارضًا لبسوا ... من اليقين دروعًا ما لها زردُ
نأوا عن المصرخ الأدنى فليس لهم ... إلا السيوفُ على أعدائهم مددُ
أما وقد عشت يومًا بعد رؤيته ... فافخر فإنك أنت الفارسُ النجدُ
لو عاين الأسدُ الضرغامُ صورته ... ما ليمَ إن ظنَّ رعبًا أنه الأسدُ
أنهبت أرواحه الأرماح إذْ شرعتْ ... فما تردَّ لريب الدهر عنه يدُ
كأنما نفسه من طول حيرتها ... منها على نفسها يوم الوغى رصد
لم تبقَ مشركةٌ إلاَّ وقد علمتْ ... أنْ لم تتبْ أنه للسيف ما تلد
قال أيضًا:
تراه إلى الهيجاء أولَ راكب ... وتحت صبير الموت أول نازلِ
تسربل سربالا من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة قاصلِ
وقد ظللتُ عقبانُ أعلامه ضحىً ... بعقبان طير في الدماء نواهلِ
أقامتْ مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتلِ
قال أيضًا:
ومن كانَ بالبيض الكواعبُ مغرمًا ... فما زلت بالبيض القواضب مغرما
وقال أيضًا:
بدلت أرؤسهمُ يوم الكريهة مِنْ ... قنا الظهور قنا الخطي مدعما
تركتهم سيرًا لو أنهم كتبتْ ... لم تبق في الأرضِ قرطاسًا ولا قلما
ثم انصرفت ولم تلبث وقد لبثتْ ... سماء عدلك فيهم تمطرُ النعما
لو كان يقدمُ جيشٌ قبل مبعثهم ... لكانَ جيشك قبل البعث قد قدما
قال أيضًا:
لنا غررٌ زيديةٌ أدديةٌ ... إذا نجمتْ دانتْ لها الأنجم الزهر
لنا جوهرٌ لو خالط الأرض أصبحتْ ... وبطنانُها منه وظهرانها تبرُ..
مقاماتنا وقفٌ على العلم والحجى ... فأمردنا كهلٌ وأشيبنا حبرُ
ألنَّا الأكفَّ بالعطايا فجاورتْ ... مدى اللينِ إلاَّ أنَّ أعراضنا صخرُ
كأنَّ عطايانا يناسبن من أتى ... ولا نسبٌ يدنيه منا ولا صهرُ
إذا زينةُ الدنيا من المال أعرضتْ ... فأزين منها عندنا الحمد والشكرْ
وكورُ اليتامى في السنين فمن نبا ... بفرخ له وكر فنحن له وكرُ
أبى قدرنا في الجودِ إلاَّ نباهةٌ ... فليس لمالٍ عندنا أبدًا قدرُ
جرى حاتمٌ في حلبةٍ منه لو جرى ... بها القطر شأوًا قيل أيهما القطرُ
فتىً ذخر الدنيا أناسٌ ولم يزلْ ... لها باذلًا فانظرْ لمن بقيَ الذخرُ
فمن شاءَ فليفخر بما شاءَ من ندى ... فليس لحيٍّ غيرنا ذلك الفخرُ
1 / 18