بسم الله الرحمن الرحيم
رب تمم بفضلك وكرمك.
بعد حمد الله الذي فتح أنوار الحكم في رياض الأذهان الناضرة، وبين أسرار الكلم في حدائق الخواطر الناظرة، وحفظ نظام سلك الفصاحة في كل زمان وعصر، وحصر أنواع البلاغة في صنفي نظم ونثر، وأرسل نبيه وصفيه محمدًا ﵊ ببراعة اللهجة والبيان والحكم الظاهر البرهان، المخصوص بحسن الإيراد والتبيان، وطهر آله وأيد أصحابه ذوي الأوجه الصباح والألسن الفصاح.
فقد سبق مني جمع كتاب مشتمل على لطايف أشعار المحدثين من النسيب محتو على نخب ما سمح خواطرهم من الغزل والتشيب وسميته النزهة السعدية في الأشعار العربية، مطرزًا باسم من حلَّ من المجد في الذروة الباسقة، وبرز جواد فضله وكرمه على الجياد السابقة، وأشرقت الليالي بأنواره، وأطرقت الأقدار من أهواله، وأعطى من المكرمات معلاها، ومن غنائم المأثرات من باعها وصفاياها، ومن بيوت السناء أرفعها دعائم، ومن أجنحة الكرم أطولها قودام، وهو الصاحب الأعظم المخدوم المعظم مستخدم السيف والقلم، مالك أزمة الأمم، ملاذ بني آدم، آصف الزمان صاحب ديوان الممالك شرقًا وغربًا، سلطان الوزراء بعدًا وقربًا، سعد الحق والدنيا والدين، عضد الملوك والسلاطين، ملجأ العلماء في العالمين، ابن الصاحب الأعظم المخدوم المعظم، العالم العادل، المؤيد المظفر أبي الفضل ملاذ الضعفاء، تاج الدنيا والدين، فخر الإسلام والمسلمين، غوث الخلائق أجمعين، أبقاهما الله بقاء السماكين، وأدامهما دوام الفرقدين، الذي لو تصفحت أحوال الدول، وتتبعت أحاديث الأمم الأول، وأمعنت البحث عن مكارمهم وفضائلهم، وما بلغوه من درجاتهم ومنازلهم، لما وجدت له نظيرًا يساميه، ولا قرينًا يضاهيه.
همام له في مرتقى المجد مصعد ... يلوح به العيوق في ثوب حامد
كريم حباه المشتري بسعوده ... فأصبح في الآفاق بكر عطارد
فلا زال في ظل السعادة رافلًا ... يحوز جميع الفضل في شخص واحد
لا زالت جدوده سعيدة، وسعوده جديدة، وعلياؤه محسودة، وأعداؤه محصودة، ما ذر ضوء النجوم، ودر نوء الغيوم، فأقبلت الجماعة على حفظه ودرايته وبحثه وقراءته، فالتمسوا مني أن أجمع مجموعة متضمنة لطائف شعر المتقدمين، وطرائف قريض الجاهليين والمخضرمين، في فنون شتى، فرأيت التماس ما اقترحوا علي أولى وأحرى، فأقدمت على اختيار ما هو نفيس المعنى، بارع اللفظ والفحوى، مختار السبك، مستقيم الرصف، جميل المطلع، حسن المقطع، مادة للمترسل والشاعر، متكفل بشحذ الذهن، وجلاء الخاطر، من الحماسات الثلاثة التي وقعت إلي، حماسة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وحماسة أبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل، وحماسة الشيخ أحمد بن فارس، ﵏، مضيفًا إليها لطائف أشعار المحدثين، وطرائف قريض المتأخرين، في آخر كل باب، سالكًا طريق الاختصار دون الإطناب، وأضم أيضًا إليها أبوابًا أخر في أصناف الشعر، لما يحتاج إليها في المكاتبات والمراسلات والمحاورات، وليست في هذه الحماسات، فجاءت هذه المنتخبة لطيفة المقاصد، صافية المصادر والموارد، سالمة من الألفاظ الحوشية، خالصة من العبارات الوحشية، جامعة بين البداوة ورقة الحضارة، كأنها الشجرة البرية في الصلابة والبستانية في الغضارة، فأتحفت بها خزانة كتبه الشريفة، وسددته المنيفة، لا زالت معمورة ببقائه ما دام الفرقدان، مغمورة بحضور الأفضل الكرام ما استنار النيران، وسميتها التذكرة السعدية في الأشعار العربية، كمل الله تعالى سعادتها في الآخرة والدنيا، وأعطاها أقصى الرتب العليا، وأسأله أن يكثر بها النفع عاجلًا، والإثابة عليها آجلًا، وأن ييسرها ويسيرها، إنه ولي التوفيق والملى بالخير والحقيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ورتبتها على أربعة عشر بابًا: الأول: في الحماسة والافتخار.
الثاني: في الأدب والحكم والأمثال.
الثالث: في النسيب.
الرابع: في المدح والاستجداء والاستعطاف والتقاضي.
الخامس: في المراثي.
السادس: في الهجاء.
السابع: في الأخوانيات.
الثامن: في التهاني.
التاسع: في الاعتذار.
العاشر: في الصفات.
الحادي عشر: في المعاتبات والشكاية من حوادث الزمان والصبر عليها.
الثاني عشر: في الملح.
الثالث عشر: في الأشياء المتفرقة.
1 / 1
الرابع عشر: في الدعاء.
الباب الأول
الحماسة والافتخار
قال بعض بني قيس بن ثعلبة، وقيل أنها لبشامة ابن حزن النهشلي:
إنا محيوكِ يا سلمى فحيينا ... وإنْ سقيتِ كرامَ الناس فاسقينا
وإنْ دعوتِ إلى جلى ومكرمةٍ ... يومًا سراة كرام الناس فادعينا
إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
إن تبتدرْ غايةٌ يومًا لمكرمة ... تلقَ السوابقَ منا والمصلينا
بيضُ مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثارَ أيدينا
إنا لنرخصُ يوم الروع أنفسنا ... ولو نسام بها في الأمن أغلينا
إنا لمن معشر أفنى أوائلهم ... قول الكماة ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحدٌ فدعوا ... من فارسٌ خالهم إياه يعنونا
إذا الكماة تنحوا أن ينالهم ... حدُّ الظبات وصلناها بأيدينا
ولا تراهم وإنْ جلت مصيبتهم ... مع البكاة على من مات يبكونا
وتركب الكره أحيانًا فيفرجه ... عنا الحفاظ وأسيافٌ تواتينا
قال السموأل بن عاديا اليهودي، وقيل أنها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي.
إذا المرءُ لم يدنسْ من اللؤمِ عرضه ... فكلُّ رداء يرتديه جميل
وإنْ هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا إنا قليلٌ عديدنا ... فقلتُ لها إن الكرامَ قليل
وما قلَّ من كانت بقاياه مثلنا ... شبابٌ تسامى للعلى وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيزٌ، وجار الأكرمين ذليل
لنا جبل يحتله من نجيره ... منيع يرد الطرف وهو كليل
رسا أصله تحت الثرى وسحابه ... إلى النجم فرعٌ لا ينال طويل
وأنا لقومٌ ما نرى القتل سبةً ... إذا ما رأته عامرٌ وسلول
يقربُ حبُ الموت آجالنا لنا ... وتكرههُ آجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طلَّ منا حيث كان قتيل
تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل
صفونا فلم نكدر، وأخلص سرنا ... إناثٌ أطابت حملنا وفحولُ
علونا إلى خير الظهور، وحطنا ... لوقتٍ إلى خير البطون نزول
فنحن كما المزن ما في نصابنا ... كهامٌ، ولا فينا يعدُّ بخيل
وننكر إنْ شينا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقولُ
إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ ... قؤولٌ بما قال الكرامُ فعولُ
وما أخمدتْ نارٌ لنا دونَ طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل
وأيامنا مشهورةٌ في عدونا ... لها غررٌ معلومةٌ وحجولُ
وأسيافنا في كل شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلولُ
معودة ألا تسلَّ نصالها ... فتغمد حتى يستباح قبيلُ
سلي إنْ جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواءً عالمٌ وجهول
فإن بني الديان قطبٌ لقومهم ... تدور رحاهم حولهم وتجول
قال رجل من بلعنبر بن تميم، يقال له قريط بن أنيف
لو كنتُ من مازن لم تستبحْ إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شبانا
إذًا لقام بنصري معشرٌ خشنٌ ... عند الحفيظة إنْ ذو لوثة لانا
قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندُ بهم ... في النائبات على ما قال برهانا
لكنَّ قومي وإنْ كانوا ذوي عددٍ ... ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا
يجزون من ظلمْ هل الظلم مغفرةً ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأنَّ ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناسِ إنسانا
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنوا الإغارة، فرسانا وركبانا
قال الفند الزماني، في حرب البسوس واسمه: شهل بن شيبان:
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجع ... نَ قومًا كالذي كانوا
فلما صرح الشرُّ ... فأمسى وهو عريان
ولم يبقَ سوى العدوا ... نِ دناهم كما دانوا
مشينا مشية الليث ... غدا والليث غضبان
بضرب فيه توه ... ينٌ وتخضيعٌ وإقران
وبعض الجهل عند الجه ... ل للذلة إذعان
1 / 2
وفي الشر نجاةٌ حي ... ن لا ينجيك إحسان
قال أبو الغول الطهوي:
فدتْ نفسي وما ملكتْ يميني ... فوارس صدقوا فيهم ظنوني
فوارسُ لا يملون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبون
ولا يجزون من حسن بسيئٍ ... ولا يجزون من غلظ بلين
ولا تبلى بسالتهم وإنْ همْ ... صلوا بالحرب حينًا بعد حين
هم منعوا حمى الوقبى بضرب ... يؤلف بين أشتات المنون
فنكب عنهم درءَ الأعادي ... وداووا بالجنون من الجنون
ولا يرعونَ أكناف الهوينى ... إذا حلوا ولا أرض ألهدون
قال جعفر بن علبة الحارثي:
إذا ما ابتدرنا مأزقًا فرجتْ لنا ... بأيماننا بيضٌ جلتها الصياقل
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل ... ولي منه ما ضمت عليه الأنامل
ولم ندر أن جضنا من الموت جيضةً ... كم العمر باق والمدى متطاول
وقال أيضًا:
لا يكشفُ الغماءَ إلا ابنُ حرة ... يرى غمراتِ الموت ثم يزورها
تقاسمهم أسيافنا شر قسمة ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها
قال ربيعة بن مقروم الضبي:
ولقد شهدت الخيل يوم طرادها ... بسليم أوظفة القوائم هيكل
فدعوا نزال فكنت أول نازل ... وعلام اركبه إذا لم أنزل
وألد ذي حنق عليَّ كأنما ... تغلي عداوةُ صدره في مرجلِ
أرجيته عني فأبصر قصده ... وكويته فوق النواظر من علِ
قال بلعاء بن قيس الكناني:
وفارس في غمار الموت منغمس ... إذا تألى مكروهة صدقا
غشيته وهو في جأواء باسلة ... عضبًا أصاب سواءَ الرأس فأنفلقا
بضربة لم تكن مني مخالسةً ... ولا تعجلتها جبنًا ولا فرقا
قال سعد بن ناشب المازني:
سأغسل عني العارَ بالسيف جالبا ... عليَّ قضاء الله ما كان جالبا
وأذهلُ عن داري وأجعلُ هدمها ... لعرضي من باقي المذمة حاجبا
ويصغر في عيني تلادي إذا أنثنت ... يمني بادراك الذي كنت طالبا
فإنْ تهدموا بالغدر داري فإنها ... ترات كريم لا يبالي العواقبا
أخي عزماتٍ لا يريد على الذي ... يهم به من مقطع الأمر صاحبا
إذا همّ لم تردع عزيمةُ همه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
فيالَ رزام رشحوا بي مقدمًا ... إلى الموت خواضًا إليه الكتائبا
إذا هم ألقى بين عينيه عزمهُ ... وكب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في أمره غير نفسه ... ولم يرضَ إلاّ قائم السيف صاحبا
قال أبو كبير الهذلي:
ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مثقلِ
ممن حملن به وهنَّ عواقدٌ ... حبك النطاق فشب غير مهبل
ومبرأٍ من كل غبرِ حيضة ... وفساد مرضعة وراءٍ مغيلِ
حملتْ به في ليلة مزؤودةٍ ... كرهًا وعقد نطاقها لم يحلل
فأتت به حوش الفؤاد مبطنًا ... سهدًا إذا ما نام ليل الهوجل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
صعب الكريهة لا يرام جنابه ... ماضي العزيمة كالحسام المقصل
يحمي الصحاب إذا تكون كريهةٌ ... وإذا هم نزلوا فمأوى العيل
قال تأبط شرًا، واسمه ثابت بن جابر:
إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ... أضاعَ وقاسى أمره وهو مدبر
ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلًا ... به الخطب إلا وهو للقصد مبصر
فذاك قريع الدهر ما عاش حول ... إذا سد منه منخرٌ جاش منخر
أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابى ويومي ضيق الحجر معورُ
هما خطتا إما إسارٌ ومنةٌ ... وإما دم والقتل بالحر أجدرُ
وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزمِ إن فعلت ومصدرُ
فرشت لها صدري فزلَّ عن الصفا ... به جؤجؤٌ عبلٌ ومتن مخصرُ
فخالط سهل الأرض لم يكدحِ الصفا ... به كدحةً، والموتُ خزيان ينظرُ
فأبت إلى فهم ولم أكُ آيبًا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفرُ
وقال أيضًا:
إني لمهد من ثنائي فقاصدٌ ... به لابن عمَّ الصدقِ شمس بن مالك
قليلُ التشكي للمهم يصيبه ... كثير الهوى شتى النوى والمسالك
1 / 3
يظل بموماة ويمسي بغيرها ... جحيشًا ويعروري ظهور المهالك
ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي ... بمنخرق من شده المتدارك
إذا حاص عينيه كرى النوم، لم يزل ... له كالئٌ من قلب شيحان فاتك
ويجعلُ عينيه ربيئةَ قلبه ... إلى سلة من حد أخلق صائك
إذا هزه في عظم قرن تهللتْ ... نواجذُ أفواه المنايا الضواحك
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك
قال وداك بن نميل المازني:
مقادمُ وصالون في الروع خطوهم ... بكلّ رقيق الشفرتين يمانِ
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمُ ... لأية حرب، أم بأي مكانِ
قال قطري بن الفجاءة المازني:
أقول لها وقد طارت شعاعًا ... من الأبطال ويحكِ لا تراعي
فإنكِ لو سألتِ بقاءَ يوم ... على الأجلِ الذي لكِ لم تطاعي
فصبرًا في مجالِ الموت صبرًا ... فما نيل الخلودِ بمستطاعِ
ولا ثوب البقاءِ بثوبِ عزٍّ ... فيطوى عن أخي الخنعِ اليراعِ
سبيل الموت غايةُ كل حيِّ ... وداعيه لأهلِ الأرض داعي
ومن لا يغتبط يهرم ويسأم ... وتسلمهُ المنونُ إلى انقطاعِ
وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ ... إذا ما عدَّ من سقطِ المتاعِ
قال سوار بن المضرب السعدي:
وإني لا أزال أخا حروب ... إذا لم أجن كنتُ مجنَّ جانِ
قال قطري بن الفجاءة المازني
لا يركننْ أحدٌ إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفًا لحمامِ
فلقد أراني للرماحِ دريئةً ... من عنْ يميني مرةً وأمامي
ثم انصرفت وقد أصبتُ ولم أصبْ ... جذع البصيرة قارح الأقدامِ
قال حريش بن هلال القريعي، وقيل أنها للعباس بن مرداس السلمي:
نعرضُ للسيوف إذا التقينا ... وجوهًا ما تعرضُ للطامِ
ولست بخالعٍ عني ثيابي ... إذا هرَّ الكُماةُ ولا أرامي
ولكني يجولُ المهر تحتي ... إلى الغاراتِ بالعضب الحسامِ
قال الشميذر الحارثي:
بني عمنا لا تذكروا الشعر بعدما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلةً ... فتقبلَ ضيمًا أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فيكم مسلط ... فنرضى إذا ما أصبح السيفُ راضيا
وقد ساءني ما جرت الحربُ بيننا ... بني عمنا لو كان أمرًا مدينا
فإن تزعموا إنا ظلمنا فلم نكنْ ... ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا
قال الأشتر النخعي:
بقيتُ وفرى وانحرفت عن العلى ... ولقيت أضيافي بوجهِ عبوسِ
إنْ لم أشنَّ على ابن حرب غارةً ... لم تخلُ يومًا من نهاب نفوسِ
خيلًا كأمثال السعالي شزبًا ... تعدُو ببيض في الكريهة شوسِ
حمي الحديد عليهم فكأنهُ ... ومضانُ برق أو شعاعُ شموسِ
قال زفر بن الحارث الكلابي:
وكنا حسبنا كلَّ بيضاء شحمةً ... ليالي لافينا جذامَ وحميرا
فلما قرْعنَا النبعَ بالنبع بعضه ... ببعض أبتْ عيدانهُ أنْ تكسَّرا
سقيناهمُ كأسًا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
قال عمرو بن معدي كرب:
ولما رأيت الخيل زورًا كأنها ... جداولُ زرع خليتْ فأستبطرت
فجاشتْ إليَّ النفس أولَ وهلة ... وردت على مكروهها فاستقرت
علامَ تقولُ الرمحُ يثقلُ عاتقي ... إذا أنا لم أطعنْ إذا الخيل كرت
ظللتُ كأني للرماحِ دريئةً ... أقاتلُ عن أبناء جرم وفرَّت
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقتُ ولكن الرماحَ أجرت
قال بعض بني بولان من طيء:
نحن حبسنا بني جديلة في ... نارٍ من الحربِ جحيمةِ الضرمِ
نستوقدُ النبلَ بالحضيضِ ونعد ... ونصطادُ نفوسًا بنت على الكرمِ
قال سيارُ بن قصير الطائي:
لو شهدتْ أمَ القديد طعاننا ... بمرعش خيل الأرمني أرنتِ
عشيةَ أرمي جمعهم بلبانهِ ... ونفسي قد وطنتها فاطمأنت
قال قيس بن الخطيم:
طعنتُ ابنَ عبدِ القيسِ طعنةَ ثائرٍ ... لها نفذٌ لولا الشعاعُ أضاءها
ملكتُ بها كفًى فأنهرت فتقها ... يرى قائمٌ من دونها ما وراءها
1 / 4
وكنتُ امرءًا لا أسمعُ الدهر سبةً ... أسبُّ بها إلا كشفتُ غطاءها
متى يأتِ هذا الموتُ لم تلفَ حاجةٌ ... لنفسي إلا قد قضيتُ قضاها
فإني في الحرب العوانِ موكلٌ ... بأقدامِ نفس ما أريدُ بقاءها
قال بعض بني أسد:
يديتْ على ابن حسحاس بنَ وهب ... بأسفل ذي الجداة يد الكريم
ولو أني أشاءُ لكنتُ منه ... مكانَ الفرقدين من النجومِ
ذكرتُ تعلةَ الفتيانِ يومًا ... وإلحاق الملامة بالمليمِ
قال الحصين بن الحمام المريِّ:
تأخرتُ أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةَ مثل أنْ أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكنْ على أقدامنا تقطرُ الدما
ولما رأيتُ الصبر قد حيل دونها ... وإنْ كان يومًا ذا كواكب مظلما
صبرنا، وكان الصبرُ منا سجية ... بأسيافنا يقطعن كفًا ومعصما
نفلق هامًا من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما
ولما رأيت الحبّ ليس بنافعي ... عمدتُ إلى الأمر الذي كان أحزما
فلست بمبتاع الحياة بذلة ... ولا مرتقٍ من خشية الموتُ سلما
قال بشامة بن حزن:
إني امرؤٌ أسم القصائدَ للعدى ... إنَّ القصائد شرها إغفالها
قومي بنو الحرب العوان بجمعهم ... والمشرفيةُ والقنا إشعالها
ما زال معروفًا لمرة في الوغى ... علَّ القنا وعليهم إنهالها
من عهد عاد كان معروفًا لنا ... أسر الملوك وقتلها وقتالها
قال رجل من بني عقيل، وحاربه بنو عمه فقتل منهم:
بكره سراتنا يا آل عمرو ... نغاديكم بمرهفة صقالِ
ونبكي حين نقتلكم عليكم ... ونقتلكم كأنّا لا نبالي
قال القتال الكلابيَّ:
نشدتُ زيادًا والمقامةُ بيننا ... وذكرته أرحام سعدَ وهيثمِ
فلما رأيتُ أنه غير منته ... أملتُ له كفي بلدنْ مقومِ
ولما رأيتُ أنني قد قتلتهُ ... ندمتُ عليه أيَّ ساعة مندمِ
قال قيس بن زهير:
شفيتُ النفسَ من حمل بن بدر ... وسفي من حذيفة قد شفاني
فإنْ أكُ قد بردتُ بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني
قال أعرابي، قتل أخوه ابنه:
أقول للنفس تأساءً وتعزيةً ... إحدى يدي أصابتني ولم تردِ
كلاما خلف من بعد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
قال الحارث بن وعلة الذهلي:
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميتُ يصبني سهمي
فلئن عفوت لأعفونْ جللًا ... ولئن سطوتُ لأوهننْ عظمي
لا تأمننْ قومًا ظلمتهمُ ... وبدأتهم بالشتم والرغم
إن يأبروا نخلًا لغيرهمُ ... والقولُ تحقرةُ وقد ينمي
وزعمتمُ أنْ لا حلوم لنا ... إنَّ العصا قرعتْ لذي الحلمِ
قال آخر:
فلو أن حيًا يقبلُ المال فديةً ... لسقنا لهم سيلًا من المال مفعما
ولكن أبى قومٌ أصيب أخوهمُ ... رضى العار فاختاروا على اللبن الدما
قال بعض بني فقعس:
فلا تأخذوا عقلًا من القومِ إنني ... أرى العار يبقى، والمعاقلُ تذهبُ
كأنك لم تسبق من الدهر ليلةً ... إذا أنت أدركتَ الذي كنت تطلبُ
قال الأحوص بن محمد:
إني على ما قد علمت محسدٌ ... أنمي على البغضاء والشنآن
ما تعتريني من خطوب ملمة ... إلاَّ تشرفني وترفع شاني
فإذا تزول تزول عن متخمط ... تخشى بوادرهُ لدى الأقرانِ
إني إذا خفي الرجالُ وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكلِّ مكان
قال بعض بني عبد شمس:
لما رأوها من الأجزاع طالعة ... شعثًا فوارسها شعثًا نواصيها
لاذت هنالك بالأشعاف عالمة ... إن قد أطاعت بليل أمر غاويها
قال حيان بن ربيعة الطائي:
لقد علم القبائلُ أن قومي ... ذوو جسد إذا لبس الحديدُ
وأنا نعم أحلاسُ القوافي ... إذا استعر التنافرُ والنشيد
وأنا نضربُ الملحاءَ حتى ... تولى والسيوفُ لنا شهودُ
قال عمرو بن معدي كرب:
ولقد أجمع رجليَّ بها ... حذر الموت وإني لفرور
ولقد أعطفها كارهةً ... حين للنفس من الموت هديرُ
كلَّ ما ذلك مني خلقٌ ... وبكلِّ أنا في الروع جديرُ
1 / 5
وابنُ صبح سادرًا يوعدني ... ما له في الناس ما عشتُ مجير
وقال آخر وضرب بنو عم له مولى له اسمه حوشب:
إنْ كنتُ لا أرمى وترمى كنانتي ... تصب جانحات النبل كشحي ومنكبي
أفيقوا بني حزنٍ وأهواؤنا معنًا ... وأرحامنا موصلةٌ لم تقضب
فإنْ تبعثوها تبعثوها ذميمةً ... قبيحة ذكر الغب للمتغببِ
سآخذُ منكم آل حزن بحوشب ... وإن كان مولى لي وكنتم بني أبي
قال رجل من بين أسد:
أقول لنفسي حين خود رألها ... مكانك لما تشفقي حين مشفقِ
مكانكِ عني تنظري عمَّ تنجلي ... غيابةُ هذا العارض المتألق
قال موسى بن جابر الحنفي:
ألم تريا أني حميت حقيقتي ... وباشرتُ حدَّ الموت، والموتُ دونها
وجدتُ بنفس لا يجادُ بمثلها ... وقلتُ اطمئني حين ساءتْ ظنونها
وما خيرُ مالٍ لا يقي الذمَّ ربهُ ... ونفسِ أمرئٍ في حقها لا يهينها
قال حريث بن جابر:
لعمرك ما أنصفتني حين سمتني ... هواك مع المولى وأن لا هوى ليا
إذا ظلم المولى فزعت لظلمه ... وحركَ أحشائي وهرت كلابيا
قال عبد الله بن سبرة:
إذا شالت الجوزاءُ والنجمُ طالعٌ ... فكلُّ مخاضات الفرات معابرُ
وإني إذا ضنَّ الأميرُ بإذنه ... على الأذن من نفسي إذا شئت قادرُ
قال بعض بني قيس بن ثعلبة:
دعوت بني سعدِ إليَّ فشمرتْ ... خناذيذُ من سعد طوال السواعد
إذا ما قلوبُ الناس طارتْ مخافةً ... من الموتِ أرسوا بالنفوس المواجدِ
قال شماس بن أسود الطهوي:
أغركَ يومًا أني قالَ ابن دارمِ ... وتقصى كما يقصى من البرك أجربُ
قضى فيكم نوسٌ بما ألحقُّ غيرهُ ... كذلك يخزوك العزيزُ المدربُ
فأدِّ إلى قيسِ بن حسان ذودهُ ... وما نيل منكَ التمرُ أو هوَ أطيبُ
فالا تصل رحم ابن عمرو بن مرثد ... يعلمكَ وصلَ الرحم عضبٌ مجربُ
قال حجر بن خالد:
وجدنا أبانا حلَّ في المجد بيته ... وأعيا رجالًا آخرينَ مطالعه
فمن يسعَ منا لا ينل مثل سعيه ... ولكن متى ما يرتحلْ فهو تابعه
يسودُ ثنانا من سونا وبدؤنا ... يسودُ معدًا كلها ما تدافعه
ونحن الذين لا يروع جارنا ... وبعضهم للغدر صمٌ مسامعه
منعنا حمانا، واستباحت رماحنا ... حمى كلِّ حيّ مستجيرًا مرابعه
قال ربيعة بن مقروم الضبي:
أخوك أخوكَ من يدنو وترجو ... مودته وإنْ دعيَ استجابا
إذا حاربت، حاربَ من تعادي ... وزاد سلاحه منك أقترابا
وكنتُ إذا قريني جاذبته ... حبالي مات أو تبع الجذابا
فإنْ أهلكْ فذي حنق لظاهُ ... علي يكادُ يلتهبُ إلتهابا
بمثلي فاشهد النجوى وعالنْ ... بي الأعداءَ والقومَ الغضابا
فإن الموعدي يرون دوني ... أسود خفيةَ الغلب الرقابا
قال بشر بن المغيرة بن المهلب:
جفاني الأميرُ والمغيرةُ قد جفا ... وأمسى يزيدُ لي قد أزورَ جانبهْ
وكلهم قد نال شبعًا لبطنه ... وشبعُ الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه
فيا عمِ مهلًا، واتخذني لنوبةٍ ... تلم فإن الدهرَ جمٌّ نوائبه
أنا السيف، إلاَّ أن للسيف نبوةً ... ومثلي لا تنبو عليكَ مضاربه
قال سلمى بن ربيعة:
زعمتْ تماضرُ أنني إما أمتْ ... يسددْ أبينوها الأصاغر خلتي
تربتْ يداك، وهل رأيت لقومه ... مثلي على يسري وحين تعلني
رجلًا إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمعضلة وإن هي جلتِ
ومناخِ نازلة كفيتُ وفارسٍ ... نهلتْ قناتي من مطاهُ وعلتِ
وإذا العذارى بالدخان تقنعتْ ... واستعجلتْ نصبَ القدور فملتِ
دارت بأرزاقِ العفاة مغالقٌ ... بيديَّ من قمع العشار الجلتِ
ولقد رأيتُ ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانيها اللتيا والتي
وصفحت عن ذي جهلها ورفدتها ... نصحي، ولم تصب العشيرة زلتي
وكفيت مولاي الأحمَّ جريرتي ... وحبست سائمتي على ذي الخلةِ
قال عبد الله بن عنمة الضبي:
إنْ تسألوا الحقَّ نعطِ الحقَ سائلهُ ... والدرعُ محقبةٌ والسيفُ مقروبَ
1 / 6
وإنْ أبيتم فإنَّا معشرٌ أنفٌ ... لا نطعمُ الخسف، إنَّ السمَّ مشروبُ
فأزجرْ حماركَ لا ترتعْ بروضتنا ... إذًا يردُّ وقيدُ العير مكروبُ
قال معبد بن علقمة:
فقلْ لزهير إنْ شتمتَ سراتنا ... فلسنا بشتامين للمتشتمِ
ولكننا نأبى الظلامَ ونعتصي ... بكل رقيق الشفرتين مصمم
وتجهلُ أيدينا ويحلمُ رأينا ... ونشتم بالأفعالِ لا بالتكلم
وإنَّ التمادي في الذي كان بيننا ... بكفيك فاستأخر له أو تقدم
قال أبان بن عبدة:
إذا الدينُ أودى بالفساد فقل له ... يدعنا ورأسًا من معد نصادمه
بجيشٍ تضلُّ البلق في حجراتهِ ... بيثربَ أخراه وبالشام قادِمه
إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب ... تحركَ يقظان التراب ونائمه
قال الكروسُ بن زيد:
رأيتني ومن لبسي المشيبُ فأملتْ ... غنائي فكوني آملًا خيرَ آملِ
لئن فرحتْ بي معقلٌ عند شيبتي ... لقد فرحتْ بي بين أيدي القوابلِ
قال آخر في معناه:
تبين فيه ميسم المجد والعلى ... وليدًا يفدى بين أيدي القوابل
قال قوال الطائي:
قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيًا ... هلمَّ فإنّ المشرفي الفرائص
وإنّ لنا حمضًاُ من الموت منقعًا ... وإنك مختلٌّ فهل أنت حامضُ
أظنكَ دونَ المال ذو جئتَ تبتغي ... ستلقاك بيضٌ للنفوس قوابضُ
قال وضاح بن إسماعيل، وهو المعروف بوضاح اليمن:
فإنكِ لو رأيتِ الخيلَ تعدو ... عوابسَ يتخذن النقع ذيلا
رأيتِ على متونِ الخيلِ جنًا ... تفيدُ مغانمًا وتفيتُ نيلا
قال القتال الكلابي:
إذا همَّ همًا لم يرَ الليلَ غمه ... عليه ولم تصعب عليه المراكب
جليدٌ كريمِ خيمه وطباعه ... على خير ما تبنى عليه الضرائب
إذا جاع لم يفرح بأكلةِ ساعة ... ولم يبتئسْ من فقدها وهو ساغب
يرى أنَّ بعد العسر يسرًا ولا يرى ... إذا كان يسرٌ أنه الدهر لازبُ
قال آخر:
لا يحملُ العبدُ منا فوق طاقته ... ونحن نحمل ما لا تحملُ القلعُ
منا الأناةُ وبعضُ القوم يحسبنا ... إنا بطاءٌ وفي إبطائنا سرعُ
قال المتلمس بن عبد المسيح:
ألم تر أن المرء رهنُ منيةٍ ... صريعِ لعافي الطير أو سوفَ يرمس
فلا تقبلن ضيمًا مخافةَ ميتةٍ ... وموتنْ بها حرًا وجلدك أملس
فمن طلب الأوتار ما حزَّ أنفه ... قصيرٌ وخاض الموتَ بالسيف بيهس
نعامةُ لما صرعَ القومُ رهطهُ ... تبينَ في أثوابه كيف يلبسُ
فإنْ يقبلوا بالودَّ نقبلْ بمثله ... وإلاَّ فإنا نحن آبى وأشمس
قال سعد بن ناشب المازني:
تفندني فيما ترى من شراستي ... وشدة نفسي أمُّ سعد وما تدري
فقلت لها إنَّ الحليم وإنْ حلا ... ليلفى على حال أمرَّ من الصبر
وفي اللين ضعفٌ والشراسةُ هيبةٌ ... ومن لم يهبْ يحملْ على مركب وعر
وما بي على من لان لي في فظاظةٍ ... ولكنني فظٌّ أبيَّ على القسر
أقيم صغاذي الميل حتى أردهُ ... وأخطمه حتى يعودَ إلى القدر
فإنْ تعذليني تعذلي بي مرزءًا ... كريم نثا الأعسار مشتركَ اليسر
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمه ... وصمم تصميم السريجي ذي الأثرِ
وقال أيضًا:
لا توعدنا يا بلال فإننا ... وإنْ نحنُ لم نشققْ عصا الدين أحرارُ
وإنَّ لنا إما خشيناك مذهبًا ... إلى حيثُ لا نخشاكَ والدهرُ أطوارُ
فلا تحملنا بعد سمع وطاعةٍ ... على غاية فيها الشقاقُ أو العارُ
فإنا إذا ما الحربُ ألقت قناعها ... بها حين يجفوها بنوها لأبرارُ
ولسنا بمحتلين دارَ هضيمة ... مخافةَ موتٍ، إنْ بنا نبت الدارُ
قال قرار بن عباد:
إذا المرءُ لم يغضب له حين يغضبُ ... فوارسُ إنْ قيلَ اركبوا الموتَ يركبوا
ولم يحبه بالنصر قوم أعزة ... مقاحيم في الأمر الذي يتهيبَ
تهضمه أدنى العدوَّ ولم يزلْ ... وإنْ كان عضيًا بالظلامةُ يضربُ
فآخِ لحال السلم منْ شئتَ وأعلمنْ ... بأنَّ سوى مولاك في الحرب أجنبُ
1 / 7
ومولاكَ، مولاك الذي إن دعوته ... أجابك طوعًا والدماءُ تصببُ
فلا تخذل المولى، وإنْ كان ظالمًا ... فإنَّ به تثأى الأمور وترأبُ
قال أبو كدام التيميَّ:
لله تيمٌ أيُّ رمحِ طراد ... لاقى الحمام به وفصل جلادِ
ومحشِ حربٍ مقدم متعرض ... للموت غير معرد حيادِ
كالليثِ لا يثنيه عن إقدامه ... خوف الردى وقعاقع الإيعادِ
مذلٌ بمهجته إذا ما كذتبْ ... خوفَ المنية نجدةُ الأنجادِ
ساقيته كأس الردى بأسنة ... ذلقٍ مؤللة الشفار حدادِ
فكأنما كانتْ يدي من حتفه ... لما انثنيتْ بها على ميعادِ
قال شبيل الغزاري، وحاربه بنو أخيه فقتلهم:
أيا لهفي على منْ كنتُ أدعو ... فيكفيني وساعدهُ الشديد
وما عن ذلةٍ غلبوا ولكنْ ... كذاك الأسدُ تفرسها الأسودُ
قال قطري بن الفجاءة المازني:
ألا أيها الباغي البراز تقربنْ ... أساقكَ بالموت الذعاف المقشبا
فما في تساقي الموتِ في الحرب سبةٌ ... على شاربيه فاسقني منه واشربا
قال وداك بن نميل المازني:
نفسي فداءٌ لبني مازن ... من شمس في الحربِ أبطال
هيمُ إلى الموتِ إذا خيروا ... بين تباعاتٍ وتقتال
حموا حماهم وسما بينهم ... في باذخاتِ الشرفِ العالي
قال أوس بن ثعلبة:
جذامُ حبلِ الهوى ماضٍ إذا جعلتْ ... هواجس الهمَ بعد النوم تعتكرُ
وما تجهمني ليلٌ ولا بلدُ ... ولا تكاءدني عن حاجتي سفرُ
قال سوار:
أجنوبُ إنكِ لو رأيتِ فوارسي ... بالسيف حين تبادرَ الأشرارُ
سعةَ الطريق مخافةً أن يؤسروا ... والخيلُ تتبعهم، وهمْ فرارُ
يدعون سوارًا إذا احمرَّ القنا ... ولكلَّ يوم كريهةٍ سوارُ
قال أبو حزابة، أو ابن حزابة التيمي:
مشمرُ للمنايا شوهُ إذا ... ما ألوغد أسبل ثوبيه على القدم
خاض الردى في العدى قدمًا بمنصله ... والخيل تعلكُ ثني الموت باللجمِ
وهم مئونَ ألوفًا، وهو في نفرٍ ... شمَّ العرانين ضرابينَ للبهمِ
قال آخر:
فيا عجلُ عجل القاتلين بذحلهم ... غريبًا لدينا من قبائل يحصبِ
جنيتم وجرتم إذ أخذتم بحقكم ... غريبًا زعمتم مرملًا غير مذنبِ
فلم تدركوا ثأرًا ولم تذهبوا بما ... فعلتم بني عجلٍ إلى وجهِ مذهبِ
وما قتلُ جانٍ غائب عن نصيره ... لطالب أوتار بمسلكِ مطلبِ
ولكنكم خفتم أسنةَ مازن ... فنكبتمُ عنها إلى غير منكبِ
وقد ذقتمونا مرةً بعد مرة ... وعلمُ بيانِ المرءِ عندَ المجربِ
قال رجل من بني نمير:
أنا ابنُ الرابعينَ من آلِ عمرو ... وفرسانِ المنابر من جنابِ
نعرض للسيوفِ إذا التقينا ... وجوهًا لا تعرضُ للسبابِ
فآبائي سراةُ بني نمير ... وأخوالي سراةُ بني كلابِ
قال الهذلول بن كعب الغنوي:
تقول، وصكتْ نحرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس
فقلتُ لها لا تعجلي وتبيني ... بلائي إذا ألتفتْ عليَّ الفوارس
لعمرُ أبيكِ الخيرِ إني لخادمٌ ... لضيفي وإني إنْ ركبتْ لفارس
وغني لأشري الحمدَ أبغي رباحهُ ... وأتركُ قرني وهو خزيانُ ناعس
وأحتمل الأوقَ الثقيل وأمتري ... خلوفَ المنايا حين فرَّ المغامسُ
وأقري الهمومَ الطارقات حزامةً ... إذا كثرتْ للطارقات الوساوسُ
قال قبيضة بن جابر النصراني الجرميَّ:
لنا الحصنان من أجأٍ وسلمى ... وشرقياهما غير انتحالِ
وتيماءُ التي من عهد عادٍ ... حميناها بأطراف القوالي
وعاجمتُ الأمورَ وعاجمتني ... كأني كنتُ في الأمم الخوالي
قال سالم بن وابصة:
عليك بالقصدِ فيما أنتَ فاعله ... إنَّ التخلق يأتي دونه الخلق
وموقفٍ مثل حدَّ السيفِ قمتُ به ... أحمي الذمار وترميني به الحدق
فما زلقت، ولا أبليتُ فاحشةً ... إذا الرجالُ على أمثالها زلقوا
قال عامر بن الطفيل:
قضى الله في بعض المكاره للفتى ... برشد وفي بعض الهوى ما يحاذرَ
ألم تعلمي أني إذا الألفُ قادني ... إلى الجور لا أنقادُ والألفُ جائر
1 / 8
قال الأخنس بن شهاب التغلبي:
فللهِ قومٌ مثلُ قومي عصابةً ... إذا حفلتْ عند الملوك العصائبُ
هم يضربون الكبش يبرقُ بيضه ... على وجهه من الدماء سبائبُ
وإنْ قصرتْ أسيافنا كان وصلُها ... خطانا إلى أعدائنا فنضاربُ
ونحن أناس لا حجاز بأرضنا ... مع الغيثِ ما نلفى ومن هو غالبُ
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا ... كمعزى الحجز أعوزتها الزرائبُ
أرى كلَّ قوم ينظرون إليهم ... وتقصرُ عما يفعلون الذوائبْ
وكلُّ أناس قارَبُوا قيدَ فحلهم ... ونحن خلعنا قيدهُ فهو سارب
قال العديل بن الفرخ العجلي:
ظللتُ أساقي الهمَّ أخوتي الألى ... أبوهم أبي عند المزاح وفي الجد
كفى حزنًا أن لا أزال أرى القنا ... يمجُّ نجيعًا من ذراعي ومن عضدي
لعمري لئن رمتُ الخروج عليهم ... بقيس على قيس وعوف على سعد
وضيعتُ عمرًا والربابِ ودارمًا ... وعدوانَ ودَّ كيف أصبر عن ودِّ
لكنتُ كمهريق الذي في سقائه ... لرقراقِ آل فوقَ رابية صلدِ
كمرضعةٍ أولاد أخرى وضيعتْ ... بني بطنها هذا الضلالُ عن القصدِ
فما تربُ أثري لو جمعت ترابها ... بأكثر من أبني نزارٍ على العدِّ
هما كنفا الأرض اللذا لو تزعزعا ... تزعزع ما بين الجنوب إلى السدِّ
وإني وإن عاديتهم وجفوتهم ... لتألم مما عضَّ أكبادهم كبدي
قالت امرأة من بني عامر:
فإنْ يك ظني صادقًا وهو صادقي ... بكم وبأحلام لكم صغرات
تعدْ فيكم جزرَ الجزورِ رماحنا ... ويمسكن بالأكباد منكسراتِ
قال قتادة بن مسلمة الحنفي:
بكرتْ عليَّ من السفاهِ تلومني ... سفهًا تعجز بعلها وتلومُ
لما رأتني قد رزءت فوارسي ... وبدت بجسمي نهكةٌ وكلومُ
ما كنتُ أولَ من أصاب بنكبة ... دهرُ وحيٌّ باسلونَ صميم
قاتلتهم حتى تكافأ جمعهم ... والخيلُ في سبل الدماءِ تعوم
ومعي أسودٌ من حنيفة في الوغى ... للبيض فوق رؤوسهم تسويم
قومُ إذا لبسوا الحديد كأنهمْ ... في البيضِ والحلقِ الدلاصِ نجومِ
فلئن بقيتُ لأرحلنَّ بغزوة ... نحو الغنائم أو يموتَ كريمُ
قال رجل من بني يشكر:
فإنْ ترضوا فإنَّا قد رضينا ... وإنْ تأبوا فأطرافُ الرماح
مقومةٌ وبيضٌ مرهفاتٌ ... تترُّ جماجمًا وبنانَ راحِ
قال جريبة بن الأشيم الفقعسي:
إذا الدهرُ عضتكَ أنيابُهُ ... لدى الشرَ فأزمْ به ما أزم
ولا تلف في شرهِ هائبًا ... كأنكَ فيه مشرٌ السقم
عرضنا نزالِ فلم ينزلوا ... وكانتْ نزالِ عليهم أطم
وقد شبهوا العيرَ أفراسنا ... فقد وجدوا ميرها ذا بشم
قال القطامي:
ومن يكنِ الحضارةُ أعجبتهُ ... فأيَّ رجال بادية ترانا
ومن ربطَ الجحاش فإن فينا ... قنًا سلبا وأفراسًا حسانا
وكنَّ إذا أغرنَ على جنبا ... وأعوزهنَّ نهبٌ حيث كانا
أغرنَ من الضبابِ على حلول ... وضبةَ إنه من حانَ حانَا
وأحيانًا على بكر أخينا ... إذا ما لم تجد إلاَّ أخانا
قال رجل من بين حمتر:
أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم ... وقد ثار نفع الموت حتى تكوثرا
وكانوا كأنف الليث لا شم مرغمًا ... ولا نالَ قط الصيد حتى تعفرا
قال عباس بن مرداس السلمي:
فلم أر مثل الحيَّ حيًا مصبحًا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكرَّ وأحمى للحقيقة منهمُ ... وأضربَ منّا بالسيوف القوانِسا
أنشد ابن فارس لحجل بن نضلة الباهلي:
جاءَ شقيقٌ عارضًا رمحه ... إنَّ بني عمكَ فيهم رماحْ
هل أحدثَ الدهر بنا نكبةً ... أم هلْ رقتْ أمُّ شقيقٍ سلاحْ
قال شتيم بن خويلد الفزاري:
هم النارُ تحرقُ من مسها ... فإنْ شئتما فاصلياها فذوقا
يسوسونَ من إرث آبائهم ... حلومًا بها يرتقون الفتوقا
قال عوفة بن عطية:
أفي صرمةٍ عشرين أو هي دونها ... قشرتم عصاكم فانظروا عمَّ تقشر
ففئتم ولما تدرِكوا ما طلبتم ... ألا ربَّ آتي غيه وهو مبصر
قال سعد بن مالك بن الأقيصر الأزدي:
1 / 9
متى تلقني يعدو ببزي مقلصٌ ... كميتٌ بهيم أو أغرُّ محجلُ
تلاق امرأً أن تلقه فبسيفه ... تعلمك الأيام ما كنت تجهلُ
قال مفروق بن عمرو الشيباني:
سائلْ قضاعةَ هل وفيتُ بذمتي ... أم هل أضعتُ العهد حين وليت
ولربَ أبطال لقيتُ بمثلهم ... فسقيتهم كأس الردى وسقيت
فلأطلبنَّ المجد غير مقصر ... إن متَّ متُ وإنْ حييتُ حييت
قال جعفر بن علبه الحارثي:
كأنَّ العقيلين يوم لقتهم ... فراخُ قطا لاقين أجدل بازيا
وضجَّ العقيليون يوم لقيتهم ... ضجيجَ الجمال الدبر لاقت مداويا
فليست ورائي حاجةٌ غير أنني ... وددتُ معاذًا كان فيمن أتاينا
فتصدقه النفس الكذوب بسالتي ... ويعمل بالعشواء أنْ قد رأينا
قال رجل من بني دارم:
وإنّا أناسٌ يملأ البيضَ هامنا ... ونحن حواريون حين نزاحفُ
وللصدأ المسودَّ أطيب عندنا ... من المسك دافته الأكف الدوائفُ
وتضحك عرفان الدُّروع جلودنا ... إذا جاء يومٌ مظلم اللون كاسِفُ
تعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والكعب مهوىً نفانفُ
جماجمنا يوم اللقاء برأسنا ... إلى الموت تمشي ليس فيها تجانفُ
قال كعب بن مالك الأنصاري:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدمًا ونلحقها إذا لم تلحق
ندعُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتها ... بلهَ الأكفَّ كأنها لم تحلقِ
قال جابر بن زيد:
بنو اليوم لا بل أمس كان أبوهم ... بنا أمتنعوا من أنْ يضاموا ويهضموا
فلما دفعنا عنهم كل جاهلٍ ... وهانهم من كان بالأمسِ يظلمُ
أرادوا الذي من دونها لغويهم ... إذا رامها يومًا سعيرٌ مضرمُ
فمهلًا بني اليوم الحدي فقبلكم ... تناذرنا أعداؤنا ثم أحجموا
وإياكم إنا إذا جدَ جدُّنا ... لذائقنا سمٌّ مدوف وعلقمَ
ومن يشتجر عبر الرماح فإنه ... دليل بأغفار الحياض ملطم
قال دريد بن الصمة:
وإني أخوهم عند كل ملمة ... إذا مت لم يلقوا أخًا لهم مثلي
تجود لهم نفسي بما ملكت يدي ... ونصري فلا فحش عليهم ولا بخلي
ومولى دفعتُ الدرأ عنه تكرمًا ... ولو شئتُ أمسى وهو مغض على تبلي
ولكنني أحمي الذمار وأنتمي ... إلى سعي آباء نموا شرفي قبلي
قال نافع بن خليفة الغنوي:
ومن خير ما فينا من الأمر أننا ... متى نلق يومًا موطن الصبر نصبر
نوطن في يوم الحفاظ نفوسنا ... لما كان من معروف أمر ومنكر
إذا أمرتنا بانصراف نفوسنا ... نقول لها لم تفري حين منفر
قال الدراج الضبابي:
أبلغ أبا عمرو إذا ما لقيتهم ... بآيات كراتي إذا الخيل تفدعُ
ولما دخلت السجن أيقنتُ أنه ... هو البين لا بين النوى ثم يجمعُ
فما السجن أبكاني ولا القيد شفني ... ولا من حذار الموت يا قوم أجزعُ
ولكنَّ أقوامًا أخاف عليهم ... إذا متّ أن تعطو الذي كنت أمنعُ
فلا تضرعوا للقوم من خشية الردى ... لكلِّ فتىً يومًا حمامٌ ومصرعُ
قال جذل بن أشمط العبدي:
يا هذه كم يكون اللوم والفند ... لا تنكري رجلًا أثوابه قددُ
إن أمس منفردًا فالبدر منفردٌ ... والليثُ منفرد والسيف منفردُ
أو كنت أنكرت برديه وقد خلقا ... فالبحر من فوقه الأقذاءُ والزبدُ
أو كان صرفُ الليالي عنك غيره ... فإنَّ تحت ثيابي ضيغمٌ أسدُ
لا تسألي القوم عن مالي وكثرته ... وسائلي القوم ما نفعي وما خلقي
أعطي السنان غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلقِ
القوم أعلمُ أني من خيارهم ... إذا سما بصرٌ الرعديدة الفرقِ
قد يقترُ المرءُ يومًا وهو ذو حسبٍ ... وقد يثوبُ سوامُ العاجز الحمق
ويكثرُ المالُ يومًا بعد قلته ... ويكتسي الغصنُ بعد اليبسِ بالورقِ
قال ابن الأطنابة:
أبتْ لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وأقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأتْ وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
1 / 10
لأدفع عن مآثرَ صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيحِ
بذي شطب كلون الملح صاف ... ونفس لا تقر على القبيحِ
قال آخر:
متى تهزز بني قطنِ تجدهم ... سيوفًا في عواتِقهم سيوفُ
جلوس في مجالسهم رزانٌ ... وإنْ ضيفٌ ألمَّ فهم ضيوفُ
إذا نزلوا حسبتهم بدورًا ... وإنْ ركبوا فإنهم حتوفُ
قال آخر:
حرامٌ على أرماحنا طعنُ مدبر ... ويندق قدمًا في الصدور صدورها
مسلمة أعجاز خيلي في الوغى ... مكلومةٌ لباتها ونحورها
قال آخر:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول للطرف أصطبر لشبا القنا ... فهدمت ركن المجد أن لم تعقر
وإذا تأمل شخص ضيفٍ مقبلِ ... متسربل سربالَ ليل أغبر
أومى إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
قال آخر:
إذا استلب الخوف الرجال نفوسهم ... صبرنا على الموت النفوس العواليا
حذار الأحاديث التي إنْ تعينتْ ... عقدنَ بأعناق الرجال المخازيا
قال جابر بن حنى التغلبي:
نعاطي الملوك السَّلم ما قصدوا بنا ... وليس علينا قتلهم بمحرم
يرى الناس منا جلد أسود سالخ ... وفروة ضرغام من الأسد ضيغم
قال غيره:
فذلل أعناق الصعاب ببأسه ... وأعناق طلاب الندى بالفواضلِ
فما انقبضتْ كفاه إلاَ بصارم ... ولا انبسطت كفاه إلا بنائلِ
قال آخر:
فتى دهره شطران فيما تنوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فلا من بغاة الخير في عينه قذىً ... ولا من زئير الأسد في أذنه وقرُ
قال ضمرة بن ضمرة:
عليها الكماةُ والحماةُ فمنهمُ ... مصيدٌ بأطراف الرماح وصائدُ
أذيقُ الصديق رأفتي وإحاطتي ... وقد تشتكي مسي العداة الأباعدُ
وذي برة أوجعته وسبقته ... فقصر عني سعيه وهو جاهدُ
وقد علم الأقوام أن أرومتي ... يفاع إذا عدَّ الروابي المواجدُ
قال عمرو بن معدي كرب:
لقد علم الحماة الشمُ أني ... أهشُّ إذا دعيتُ إلى الطعانِ
وخرق قد تركت لدى مكرَّ ... عليه سبائب من أرجوانِ
ولم يوهنِ مراسُ الحرب ركني ... ولكن ما تقادم من زمان
قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
قد عشتُ في الدهر أطوارًا على طرقٍ ... شتى، فصادفتُ منه اللينَ والفظعا
لا يملأ الأمرُ صدري قبل موقعه ... ولا يضيقُ به ذرعي إذا وقعا
كلًاّ لبستُ فلا النعماء تبطرني ... ولا تخشعتُ من لأوائها جزعا
قال خراشة بن عمرو:
قرومٌ نمتنا في فروع قديمة ... تحل محل المجد حيث تنقلا
مصاليت ضرابون في كفة الوغى ... إذا الصارخ المكروب غمَّ وخللا
ونحنُ على العلاتِ أكرم شيمةً ... وخيرُ لقيات بقين وأولا
وأطول في دار الحفاظ إقامةً ... وأربط أحلامًا إذا البقل أجهلا
وأكثر منا سيدًا وابنُ سيد ... وأجدر منا أن نقول ونفعلا
قالت أمامة بنت الجلاح:
إذا شئت أن تلقى فتىً لو وزنته ... بكل معدي وكلَّ يمانِ
وفي بهم حلمًا وجودًا وسؤددًا ... وبأساُ فهذا الأسود بن قنان
أغرَّ أبرّ من نزار ويعرب ... وأوثقهم عقدًا بقول لسانِ
وأوفاهم عهدًا وأطولهم يدًا ... وأعلاهم ذكرًا بكلّ مكان
كأن العطايا والمنايا بكفه ... سحابان مقرونان مؤتلفان
قال بشر بن عوانة، وقد لقي الأسد:
أفاطمَ لو شهدتِ ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
إذن لرأيت ليثًا رام ليثًا ... هزبرًا أغلبًا يغشى هزبرا
تبهنس إذ تراجع عنه مهري ... محاذرةً فقلتُ عقرت مهرا
أنل قدمي ظهر الأرض إني ... رأيتُ الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبدى نصالًا ... محددة ووجهًا مكفهرا
تدل بمخلب وبحد ناب ... وباللحظات تحسبهنّ جمرا
وفي يمناي ماضي الحد أبقى ... بمضربه قراع الحرب أثرا
ألم تبلغك ما فعلت ظباهُ ... بكاظمة غداة ضربتُ عمرا
وقلبي مثل قلبك لست أخشى ... مصاولة ولست تخاف ذعرا
وأنت تروم للأشبال قوتًا ... وأطلبُ لابنة الأعمام مهرا
1 / 11
ففيم تسوم مثلي أن يولي ... ويجعل في يديك النفس قسرا
نصحتك فالتمس يأويك غيري ... طعامًا إنَّ لحمي كانَ مرا
فلما ظنّ أنّ الغشَّ قولي ... وخالفني كأني قلت هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما ... مرامًا كان إذْ طلباه وعرا
هززت له الحسام فخلتُ أني ... هززت به لدى الظلماء فجرا
فخر مضرجًا بدم كأني ... هدمتُ به بناءً مشمخرا
وجدت له بجائشةٍ رآها ... لما كذبته ما منته غدرا
وقلت له يعزَّ عليّ أني ... قتلتُ مناسبي جلدًا وقهرا
ولكن رمتُ شيئًا لم يرمه ... سواك فلم أطقْ يا ليثُ صبرا
تُحاول أن تعلمني فرارًا ... لعمرُ أبي لقد حاولت نكرا
فلا تجزع فقد لاقيت حرًا ... يحاذر أن يعاب فمتَّ حرا
قال الزبير بن بكار:
اصبر فكل فتىً لا بد مخترم ... والموتُ أيسر مما أملت جشمُ
الموتُ أيسر من إعطاء منقصة ... إن لم تمتْ عبطة فالغاية الهرمُ
قال أبو داود:
كم ربعنا من خميس جحفل ... وقتلنا من رئيس منتخل
فأسألوا عنا إذا الحيَّ شتوا ... وسلوا عنا إذا البأس نزل
قال ابن هرمة:
إذا قيلَ أي فتىً تعلمونَ ... أهشَّ إلى الطعن بالذابلِ
وأضربَ للهام يوم الوغى ... وأطعم في الزمن الماحلِ
أشارتْ إليك أكف العباد ... إشارة غرقي إلى الساحل
قال آخر:
وقوفك تحت ظلال السيوف ... أقرَّ الخلافة في دارها
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجتْ بأسرارها
وفي راحتيك السدى والندى ... وكلتاهما طوعُ ممتارها
وأقضية الله محتومةٌ ... وأنت منفذ مقدارها
قال الأعور الشني:
إنا نعفُ ونقري الشحم نازلنا ... إذْ لم نجد في بيوت القوم أمثالا
ونضرب الكبش مخضرًا كتائبه ... ضربًا على سكنات إلهام صلصالا
فإنْ تصب سادةٌ منا فإنَّ لنا ... بيضًا مساميح يوم الروع أبطالا
هم يمنعون نساءَ الحي إن بكرتْ ... خيلًا تجرُّ مذرَّ الشمس إرسالا
قال معقل بن عامر الأسدي:
ويوم كأنَّ المصطلين بحره ... وإنْ لم تكن جمرٌ وقوف على جمر
صبرنا له حتى تجلى وإنما ... تفرجُ أيامُ الكريهة بالصبر
قال غيره:
قليلُ الأذى إلا عن القرن في الوغى ... كثير الأيادي واسع الذرع بالفضلِ
ويحلم ما لم يحلب الحلم ذلة ... ونجهل إن شدتْ قوى الحلم بالجهلِ
قال نهيك بن أساف الحارثي:
ومنْ مارس الأهوالَ في طلب الغنا ... يعشْ مثريًا أو يود فيما يمارسُ
وفتيان صدق قد حرستُ من الردى ... وليس لمن لم يحرس الله حارس
قال المرقش الأكبر:
هلا سألتَ بنا فوارس وائل ... فلنحنُ أسرعها إلى أعدائها
ولنحن أكثرها إذا عدّ الحصى ... ولنا سوابقها ومجد لوائها
قال شبيب بن البرصاء:
تبين أدبار الأمور إذا مضتْ ... وتقبل أشباهًا عليك صدورها
ولا خير في العيدانِ إلا صلابها ... ولا ناهضات الطير إلا صقورها
قال عبد الله بن ظبيان:
يرى مصعبٌ إني تناسيتُ نائيًا ... وبئس لعمر الله ما ظنَّ مصعبُ
ووالله ما أنساهُ ما ذرَّ شارقٌ ... وما لاح في داج من الليل كوكبُ
أأرفع رأسي وسطَ بكر بن وائلِ ... ولم أردِ سيفي من دم يتصببُ
قال المساور بن هند:
وأصبحتُ مثل السيف أخلقَ جفنه ... تقادمُ عهد القين وهو حديدُ
ألم تعلموا يا عبس لو تشكرونني ... إذا ألتفت الذواد كيف أذود
ألم تعلموا أني ضحوك إليكم ... وعند شديدات الأمور شديد
قال آخر:
أنسسلم مولانا ولم تجر خيلنا ... إلى خيلهم حتى يضرجها الدم
شهدنا وجربنا أمورًا كثيرة ... ولا تحقرن علم أمرء هو أقدم
قال كردم:
هم المطعمون سديف العشار ... والشحم في الليل البارده
وهم يكسرون صدور الرَّما ... ح والخيلُ مطرودة طاردة
قال آخر هو وعلة الجزي كما في الوجنات والسمط:
ما بالُ من أسعى لأجبر كسره ... حفاظًا ويبغي من سفاهته كسري
أعودُ على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبتُ غرقهم بحري
1 / 12
أناةً وحلمًا وانتظارًا بهم غدًا ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمرِ
أظن صروف الدهر بيني وبينهم ... ستحملهم مني على المركب الوعرِ
قال قطبة بن الخضراء:
وإذا لقيت كتيبةً فتقدمن ... إنَّ المقدم لا يكون الأخيبا
تلقى التحية أو تموت بطعنة ... والموت آتٍ من نأى وتجنبا
قال الكميت بن زيد:
وإنا لذوداون عن حرماتنا ... إذا كان يومُ أكلف الوجه أغبر
وذمتنا محفوظة برماحنا ... إذا ما أضاع الذمة المتخفر
وأيماننا مبسوطةٌ بسيوفنا ... مطبقةٌ يوم الوغى حين تشهر
وأعراضنا مستورةٌ بحياتنا ... وما خيرُ عرض لا يصانُ ويسترُ
قال الكميت بن معروف:
بطاءٌ عن الفحشاء لا يحضرونها ... سراعٌ إلى داع الصياح المثوب
مناعيش للمولى، مساميح بالقرى ... مصاليتُ تحت العارض المتلهبِ
وقال أيضًا:
إني نماني للمكارم نوفلٌ ... والخالدان ومعبد والأزهرُ
يا ربَّ جبار ضربنا رأسه ... إنا لنضرب رأس من يتجبرُ
المقدمون إذا الكتائب أحجمتْ ... والعاطفون إذا استضاف المحجر
ونكر في يوم الوغى ورماحنا ... حمرُ الأسنة حين يغشى المنكر
قال أبو مسلم:
أدركت بالرأي والكتمان ما عجزتْ ... عنه ملوك بني مروان إذ قعدوا
مازلت أسعى عليهم في ديارهم ... والقومُ في غفلة بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من نومة لم ينمها قبلهم أحدُ
ومن رَعى غنمًا في أرض مشبعةٍ ... ونام عنها تولى رعيها الأسدُ
قال الحارث بن ظالم بن جذيمة:
فأقسم لولا تعرض دونهُ ... لخالطه ما في الحديدة صارمِ
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ... ولا يركبُ المكروه إلا الأكارمِ
قال خالد بن جعفر بن كلاب:
ولا حرز إلاَّ كلَّ أبيض صارم ... وكلُّ رديني وجرداء ضامر
وأجرد كالسرحان خاط بضبعه ... محرم أنساء مفجُّ الدوابر
قال الأفوه الأوديَّ:
خليلان مختلفٌ شأننا ... أريدُ العلاء ويبغي السمن
أريدُ دماء بني مالك ... وراق المعلى بياض اللبن
قال خالد بن زهير الهذلي:
فأقصرْ ولا تأخذكَ مني سحابةٌ ... تنفر منا المرتعين خواتها
ولا تبعثُ الأفعى تداور رأسها ... ودعها إذا ما غيبتها سفاتها
قال غيره:
حبست بضيقة فرسي ونفسي ... حفاظًا للعشيرة واصطبارا
رفعتُ به ذمارَ حماةِ قيسٍ ... وخيرُ القوم من رفع الذمارا
أثبت مجدهم ما دمتُ حيًا ... ولستُ بمورثٍ إنْ مت عارا
قال آخر:
ألم تعلمي والعلمُ ينفع أهله ... وليس الذي يدري كآخر لا يدري
إذا ما الثريا أشرقت في قتامها ... فويق الناس كالرفقة السفرِ
وأردفتِ الجوزاء يبرق نظمها ... كلون الصوار في مرابعها العمر
بانا على سرائنا غير جهل ... وإنا على ضرائنا من ذوي الصبر
قال رجل من بني مازن:
نباشر في الحرب المنايا ولا ترى ... لمن لا نباشرها من الموت مهربا
أخو غمرات ما يورع جأشه ... إذا الموتُ بالموت ارتدى وتعصبا
قال مالك بن الريب:
وما أنا بالنائي الحفيظة في الوغى ... ولا المتقي في السلم جرَّ الجرائم
ولا المتازي للعواقب في الذي ... أهمُ به من فاتكات العزائم
ولكنني ماضي العزيمة مقدمٌ ... على غمرات الحادث المتقادم
قليلُ اختلاج الرأي في الجد والهوى ... جميع الفؤاد عند وقع العظائم
قال حاتم بن سحيم:
ألا هل أتى أهل العراق مناخنا ... نقسم بين الناس بؤسى وأنعما
بأبيض معقود به التاج ماجدٌ ... وفتيان صدق لا يهابون معدما
ونضرب صنديد الكتيبة في الوغى ... ونركبُ أطراف الرماح تكرما
قال عبد الله بن ذكوان:
وليس بمذهب ما في فؤادي ... سوى بيض يفلقن الشؤونا
فلا ترضوا بأخذ النصف منهم ... فإنَّ النصف حظا الأرذلينا
قال عمرو بن عمر:
غداة أتى أهل العراق كأنهم ... من البحر لجَ موجه متراكب
وجئنا جميعًا في الحديد كأننا ... سحابُ خريف دفعته الجنائبُ
1 / 13
فزالوا وقد نلنا سراة رجالهم ... وليس لما نلنا من الشر حاسبُ
قال توبة بن مضرس:
تعزي المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب صرف الدهر بالحازم الجلدِ
وإني امرءٌ لا ينقض العجز مرتي ... إذا ما أنطوى مني الفواد على حقد
قال القحيف بن حمير العقيلي:
لقد لقيتْ أفناءُ بكر بن وائل ... وهزان بالبطحاء ضرا غشمشما
أذا ما غضبنا غضبةً مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرتْ دما
قال بجير بن بجرة:
فليت أبا بكر يرى ما سيوفنا ... وما تختلي من معصم ورقابِ
ألم تر إنَّ الله يوم براجة ... يصبَّ على الكفار سوط عذابِ
كأنهم والخيل تتبع فلهم ... جراد زهته الريح يوم ضبابِ
إذا ما فرغنا من ضرابِ كتيبة ... سمونا لأخرى مثلها بضراب
قال مسعود بن معتب:
وذو الطلح يعلم أنا به ... أسودٌ ترشح أشبالها
وأعدت للحب خيفانة ... تجرُّ إلى الموتِ أذيالها
قال قيس بن الخطيم:
إذا تلقى رجال الأوس تلقى ... دماءَ أساود ونيوبَ نمرِ
ونصدق في الصباح إذا التقينا ... وإنْ كان الصباح جحيم جمرِ
قال حسان بن ثابت:
ولست لحاضن إنْ لم تزركم ... خلال الدار مشعلةٌ طحونُ
يدينَ لها العزيزُ إذا رآها ... ويسقطَ من مخافتها الجنينُ
ألم نترك مآتمَ موجعات ... لهنَّ على سراتكم رنينُ
قال بعض العرب:
وقد علموا بأنَّ الحربَ ليستْ ... لأصحابِ المجامر والخلوقِ
ضربنا على الإسلام حتى ... أقمناكم على وضح الطريق
قال ربيعة بن مقروم:
وإذا امرءٌ منا جنا فكأنه ... مما يخاف على مناكب يذبل
ودخلتُ أبنية الملوك عليهم ... ولشر قولِ المرء ما لم يفعل
قال عروة بن زيد الخيل:
برزت لأهلِ القادسية معلمًا ... وما كلُّ من يغشى الكريهة يعلمْ
ونجاني الله الأجل ونجدتي ... وضربٌ لأبطال الأساور مخذمُ
فأقعصت منهم فارساُ بعد فارس ... وما كل من يلقى الكتيبة يسلمُ
قال رجل من بني أسد:
لقد علمتْ قيس وخندفُ أننا ... حميناهمُ بالمرهفات البواترِ
ومازال منا في قديس مصابرٌ ... نضاربُ قدمًا عن أقاصي العشائرِ
لدن عدوة حتى أتى الليل دونهم ... وقد أفلحوا أخرى الليالي الغوائرِ
قال ذريح أحد بني تيم اللات:
ولما رأيتْ الخيل شدَّ نحورها ... رماح ونشاب صبرت جناحا
كأنَّ سيوفَ الهند حول لباتهِ ... بوارقُ غيث من تهامة لاحا
قال أبو مريم البجليَّ:
وما ذمَ الكرامُ لديك عهدي ... ولا حمدتْ شمائلي اللئامُ
إذا صدعٌ تشعبَ لآثموهُ ... وما صدعوا فليسَ له التيامُ
أرى خلل الرماد وميض جمر ... جديرٌ أنْ يكون له ضرامُ
فإنَّ النار بالزندين تذكى ... وإنَّ الحرب يقدمها الكلامُ
قال عمرو بن معدي كرب:
شهدتُ طرادهُ بأقبَّ نهد ... شديد الأسر معتدل النواحي
يقولُ له الفوارسُ إذْ رأوهُ ... نرى مسدًا أمرَّ على رماح
إذا قاموا إليه ليلجموهُ ... تمطى فوق أعمدةٍ صحاح
فأثكلنا الحليلة من بينها ... وخلينا الخريدةَ للنكاح
قال أبو مسروق بن الأجدع:
لقد علمتْ نسوانُ همدانَ أنني ... لهنَّ غداة الروع غيرَ خذولِ
وأبذلُ في الهيجاء نفسي وأنني ... لها في سوى الهيجاءِ غيرَ بذول
قال حزن بن كهف بن أبي حارثة:
أمنْ مالِ جاري رحتَ تحترش الغنى ... وتدفع عنك الفقْر بابن محلم
لقد ما أتيت الأمر من غير وجههِ ... وأخطأت جهلًا وجهةَ المتغنمِ
فما نحن بالقوم المباح حماهمُ ... وما الجارُ فينا إنْ علمتَ بمسلمِ
وإنا متى نندبْ إلى الموت نأتهِ ... نخوضُ إليه لجَّ بحر من الدمِ
قال حزن بن عامر الطائي:
وحيّ يمنعون بلاد غوث ... على الجرد الممنعةِ الجيادِ
لباسهم إذا فزعوا دروعٌ ... كأنَّ قتيرها حدق الجرادِ
قال زامل بن مصاد القيني:
فمن يك لغوًا في اللقاء فإننا ... ذوو نزلِ عند اللقاء ومصدقِ
1 / 14
بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كأفواهِ المزاد المخرقِ
قال عبيد بن قماص:
وإني لضربٌ إذا الخيلُ أحجمتْ ... بسيفي ربَّ القونس المتوقدِ
وكنتُ إذا دارٌ جفتْ بي تركتها ... لغيري ولم أقعدْ على غير مقعدِ
قال عمر بن يربوع الغنوي:
ألم تحم نجدًا بمسنونة ... عتاق تباري بفرسانها
وبيضٍ صوارم مذروبة ... تقد الدروع بأبدانها
وشمٍّ عواسلَ مطرورة ... تصولُ الدماء بخرصانها
نكحنا نساءهم عنوة ... ببيض الصفيح ومرانها
عرانين صرعى تجرُّ الرياحُ ... عليها الذيول بجولانها
قال العيار بن محرز المازني:
ولا نرعى الهدون ولا الهوينا ... إذا خارت مصاعيب الرجال
ولكنا بنو اللأواء فيها ... جزعنا الدهر حالًا بعد حالِ
بنا يستعطفُ الأمر المولى ... ونحسمُ داء ذي الداء العضالِ
قال قيس بن الخطيم:
فلما هبطنا الحرث قال أميرنا ... حرامٌ علينا الخمرُ ما لم نضاربِ
فسامحه منا رجال أعزةً ... فما انقلبوا حتى أحلتْ لشاربِ
قال زيد الخيل:
وقد علمتْ سلامة أنَّ سيفي ... كريهٌ كلما دعيتْ نزالِ
أحادثهُ بصقل كل يوم ... فأعجمه بهامات الرجالِ
قال سوار بن حيان المنقريَّ:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنةٍ ... سقتهُ نجيعًا من دم الجوف أشكلا
قضى الله أنا يوم نقتسمُ العلى ... أحقُّ بها منكم وأعطى وأجزلا
فلستَ بمستطيع السماء ولم تجدْ ... لعزِ بناهُ الله فوقك مثقلا
قال زيد بن عمرو بن قيس:
وكنتُ إذا ما بابُ ملك قرعته ... قرعتُ بآباء ذوي حسب ضخمِ
همُ ملكوا أملاك آلِ محرقِ ... وزادوا أبا قابوس رغمًا على رغمِ
وكنا إذا قومٌ رمينا صفاتهم ... تركنا صدوعًا في الصفاة التي نرمي
فنرعى حمى الأعداء غيرَ محرَّم ... علينا ولا يُرعى حمانا الذي نحمي
قال القلاح بن زيد، أحد بني عمرو بن مالك:
تحضض زيدًا عرسه فيطيعها ... عليَّ وللواشي أغشُّ وأكذبُ
ولو جاء يوم ينشفُ البأسُ ريقه ... لقاتلتْ عنك القوم وهي تخضبُ
ولا يستوي يا زيد درجٌ ومجمرٌ ... وصدرُ سنانٍ في الحروبُ مجربُ
قال مؤبن اللجلاج:
ألم تر أن الشرَّ مما يهيجه ... أصاغرهُ حتى يتمَّ فيكبرا
وإن كمين العرّ يخفي دواؤه ... على أهله حتى يبين فيظهرا
قال المفضل بن المهلب:
هل الجورِ إلا أن تجودَ بأنفسٍ ... على كلِّ ماضي الشفرتين قضيبِ
ومنْ هزَّ أطراف القنا خشيةَ الردى ... فليس لمجد صالح بكسوبِ
قال أنس بن مدرك:
كم من أخ لي كريم قد أصبتُ به ... ثم بقيتُ كأني بعده حجر
لا أستكينُ على ريب الزمان ولا ... آسى على الأمر يأتي دونه القدرُ
مردى حروب أجيل الأمر جائلهُ ... إذْ بعضهم لأمور تعتري جزرُ
إني وعقلي سليكًا بعد مقتله ... كالثور يضربُ لمَّا عافتِ البقرُ
قال وعلة بن الحارث الجرميَّ:
إذا ما تلاقينا على الشحط أصبحتْ ... تحيتنا زرق الوشيج المقوَّم
ذوابلُ في أطرافها قعضبيةٌ ... رقاقٌ نواحيها رواءٌ من الدمِ
قال حاتم الطائي:
وخيلٍ تنادي للطعان شهدتها ... ولو لم أكن فيها لساء عذيرها
وغمرة موتٍ ليس فيها هوادةٌ ... تكونُ صدورُ المرهفات جسورها
وتأبى اهتضامي أسرةٌ ثعليةٌ ... كريمٌ غناها مستعف فقيرها
وأقسمت لا أعطي الملوك ظلامة ... وحولي عديٌّ كهلها وغريرها
قال الفرزدق:
حبوتم معدًا يوم كسرى بن هرمز ... بضربة فصل قومتْ كلَّ مائلِ
بأبطح ذي قارٍ غداة أتتكمُ ... قنابلُ موت تهتدي بقنابلِ
فضلتم بني شيبان فضلًا وسؤددًا ... كما فضلتْ شيبانُ بكر بن وائلِ
قال العباس بن عبد المطلب:
أبى قومنا أنْ تنصفونا فأنضفتْ ... قواطعٌ في أيماننا تقطر الدما
تركناهمُ لا تستحلون بعدها ... لذي رحم من سائر الناس محرما
وزعناهم وزع الحوامس غدوةً ... بكلَّ سريجي إذا هزَّ صمما
1 / 15
أبا طالبٍ لا تقبل النصف منهم ... وإنْ أنصفوا حتى تعقَّ وتظلما
قال أبو طالب:
وأنا لعمرُ الله أن جدَّ ما أرى ... لتلتبس أسيافنا بالأماثلِ
بكف فتى مثل الشهاب سميدعٍ ... أخي ثقة حامي الحقيقة باسلِ
وحتى ترى ذا الردع يركبُ ردعه ... من الطعن فعل الأنكب المتحاملِ
قال أعشى باهلة:
قنابل من قحطان لم يرَ مثلهم ... إذا الصدع أعبا رأيه كل شاعب
فلما رأيناهم دلفنا لجمعهم ... بأرعن جرار عظيم المناكبِ
وشكتْ بأطرافِ الرماح جلودهم ... فمن بين مقتول وآخر هاربِ
قال أبو الأسود الدؤلي:
ألا أبلغا عني زيادًا رسالة ... تخبُّ إليه حيث كانَ من الأرضِ
فما لكَ مسهومًا إذا ما لقيتني ... تقطعُ دوني طرف عينيك كالمغضي
وما لي إذا ما أخلق الود بيننا ... أمر القوى منه وتعمل في النقضِ
ألم تر أني لا ألون سيمتي ... تلون غول الليل في البلد المقضِ
ولكنني أرمي العدو بصيلم ... تصدعُ منها الأرضُ بالطول والعرضِ
قال خوط بن سلمى:
فما قومٌ كقومي حين يعلو ... شهابُ الحرب تسعرهُ الرماحُ
وما قومٌ كقومي حين يخشى ... على الخودِ المخدرة الفضاحُ
أذب عن الحفائظ في معدٍّ ... إذا ما جدَّ بالقوم الكفاحُ
صبرنا نكسر الأسلات فيهم ... فرحنا قاهرين لهم وراحوا
قال ابن ميادة:
يداه يدٌ تنهلَّ بالخير والندى ... وأخرى شديدٌ بالأعادي ضريرها
وناراه، نارٌ نارُ كل مدفعٍ ... وأخرى يصيب المجرمين سعيرها
قال نصر بن سيار الكناني:
بنفسي غداة الروع فرسان حندف ... وفرسان قيس وقعها واصطبارها
إذا خطرت قيسٌ وخندف بالقنا ... لدى جارها لم يرهبِ الضيمَ جارها
قال آخر:
لما رأيت أميرنا متجهمًا ... ودعت عرصة داره بسلامِ
ووجدتُ آبائي الذين تقدموا ... شنوا الإباء على الملوك أمامي
قال آخر:
جريت ما عودتك الكرامُ ... وتجري الكرامُ بعاداتها
كذاك السوابق لا تنتهي ... إذا أرسلتْ دون غاياتها
قال رجل من قيس:
ونحن المالكون الناس قسرًا ... نسوقهم المذلة والنكالا
وطئنا الأسعريَّ بعز قيسٍ ... فيالك وطأةً لن تستقالا
وأصبح ... فينا أسيرًا ... ألا منعوه إن كانوا رجالًا
عظيمهم وسيدهم قديمًا ... جعلنا المخزياتِ له ظلالا
قال بكر بن النطاح:
يتلقى الندى بوجهٍ حيي ... وصدور القنا بوجهٍ وقاحِ
هكذا هكذا تكونُ المعالي ... طرق الجد غير طرق المزاح
قال آخر:
قومٌ إذا اختلف القنا ... جعلوا الصدور لها مسالكْ
لبسوا القلوب على الدروع ... مظاهرين لدفع ذلكْ
قال الفرزدق:
إنا لتوزن بالجبالِ حلومنا ... ويزيدُ جاهلنا على الجهالِ
إنا لننزلُ ثغر كل مخوفة ... بالمقربات كأنهنَّ سعالي
قال طفيل بن عمرو بن حممة:
أسلمًا على خسف وما كنتُ خالدًا ... وما ليَ من والِ إذا جاءني حتمي
فلا سلم حتى تحفز الناس حفزة ... وتصبح طيرٌ كابسات على لحمي
ولما يكن يوم أغرُّ محجلٌ ... تسير به الركبانُ ذو نبأٍ ضخمِ
قال حرب بن أمية لابن أبي براء في حرب الفجار
متى ما تزرنا تجد حربنا ... مدربة نارها تسطع
وقومًا عليهم من السابغاتِ ... جيادٌ قوانسها تلمعُ
مصابيح مثل نجوم السماء ... وما رفع الله لا يوضعُ
قال ابن المولى:
وإذا تخيل من سحابك لامعٌ ... سبقتْ مخيلتُه يد المستمطرِ
وإذا صنعت صنيعة أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدرِ
وإذا الفوارس عددتْ أبطالها ... عدوك في أولاهم بالخنصرِ
قال النابغة الجعدي:
وأنا لقومٌ ما تعودَ خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى تحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحًا ولا مستنكرًا أن تعفرا
قال آخر:
إذا ظلمتْ حكامنا وولاتنا ... خصمناهم بالمرهفات الصوارمِ
1 / 16
سيوف كأنَّ الموتَ حالفَ حدها ... مشطبة تغري شؤون الجماجمِ
إذا ما انتضيناها ليوم كريهة ... ضربنا بها ما استمسكتْ بالقوائمِ
قال أبو سفيان بن الحارث:
ونحن وردنا بطنَ سلع عليكمْ ... بأسيافنا والخيلُ تدمي نحورها
ونحن تركنا الخزرجي مجدلًا ... تمجُّ حياة النفس منه زفيرها
تركناه لما غادرته رماحنا ... ولم يبق منه غير عين يديرها
قال مالك بن عوف النصري:
وذا شكا مهري إليَّ حزازةً ... عند اختلاف الطعن قلتُ له أقدم
أني بنفسي في الحروب لتاجرٌ ... تلك التجارة لا انتقاد لدرهم
قال سعد بن ناشب المازني:
وإن أسيافنا بيضٌ مهندةٌ ... عتقٌ وآثاركم في هامكم جددُ
وإن هو يتم سللناها وقد عدتْ ... يومًا وهام بني بكر لها عمدُ
قال موسى بن جابر الحنفي:
وإنا لوقافون بالموقف الذي ... يخاف رداهُ والنفوسُ تطلعُ
وإنا لنعطي المشرفية حقها ... فتقطعُ في أيماننا وتقطعُ
قال كعب بن مالك:
ونحن أناس لا نرى القتلَ سبةً ... على أحد يحمي الذمار وينفعُ
جلادٌ على ريب الحوادث لا ترى ... على هالك عينًا لنا الدهر تدمعُ
قال آخر:
بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا ... مطلًا كأطلال السحاب إذا اكفهر
فقلت له: لا تبكِ عينكَ إنما ... يكون غدًا حسن الثناء لمن صبرَ
فآسى على حالٍ يقل بها الأسى ... وقاتل حتى أستبهم الورد والصدر
قال مالك بن الريب:
يقول المشفقونَ عليَّ حتى ... متى تلقى الجنود بغير جندِ
وما من كان ذا سيفٍ ورمحٍ ... وطابَ بنفسه موتًا بفردِ
قال مطهر بن رياح بن عمرو:
لله در بني رياح ... في الملماتِ الكبارِ
تحمي النساء فإنها ... قيد الكرام عن الفرارِ
قال ابن صريم الجرمي:
أرد الكتيبة مفلولة ... وقد تركت لي أحسابها
ولست إذا كنت في جانبٍ ... أكول العشيرة مغتابها
ولكن أطاوعُ ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
قال القطري بن الفجاءة:
وربَّ مصاليتٍ نشاطٍ إلى الوغى ... سراع إلى الداعي كرام المقادمِ
أخضتهم بحرَ الحمام وخضته ... رجاءَ الثواب لا رجاء الغنائمِ
قال مسلم بن الوليد:
لو أنَّ قومًا يخلقون منية ... من بأسهم كانوا بني جبريلا
قومٌ إذا احمر الهجير من الوغى ... جعلوا الجماجم للسيوف مقيلا
قالت جمل:
بني جعفر لا سلم حتى تزوركم ... بكلَّ ردينيَّ وأبيضَ ذي أثر
وحتى تروا وسطَ البيوت مغيرة ... تضمكم بالضرب جامية الوعر
تبين لذي الشك الذي لم يكن درى ... ويبصرها الأعلى ويسمع ذو الوقرِ
قال النابغة الذبياني:
إني لأخشى عليكم أنْ يكونَ لكم ... من أجل بغضائهم يومٌ كأيامِ
لهم لواءٌ بكفي ماجدٍ بطل ... لا يقطعُ الخرق إلاَّ طرفهُ سامي
مستحقبو حلق الماذي يقدمهم ... شمُّ العرانين ضرابون للهامِ
لا تزجروا مكفهرًا لا كفاء له ... كالليل يخلطُ أصرامًا بأصرامِ
والخيلُ تعلم أنا في تجادلها ... يوم الحفاط أولو بؤسى وإنعامِ
تعدو الذئابُ على من لا كلاب له ... وتتقي سورة المستنفر الحاميِ
قال زيد الخيل:
بني عامر ما تصنعونَ إذا عدا ... أبو مكنفٍ قد شدَّ عقدَ الدوابر
بجيشٍ تضلُّ البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجدًا للحوافر
وجمعٍ كمثل الليل مرتجس الوغى ... كثير تواليه سريع البوادر
قال عامر الخصفي المحاربي:
ألا أيها المستخبري ما سألتني ... بأيامنا في الحرب إلا لتعلما
لنا العزة القعساء نختطم العدى ... بها ثم تستعصي بها أن تخطما
فما يستطيع الناس عقدًا نشدهُ ... وننقضهُ منهم وإنْ كانَ مبرما
وأبقت لنا آباؤنا من تراثهم ... دعائم مجد كان في الناس معلما
هم يطدونَ الأرض لولاهم ارتمتْ ... بمن فوقها من ذي بيان وأعجما
يقوم فلا يعيا الكلام خطيبنا ... إذا الكرب أنسى الجبسَ ما قد تعلما
وكنا نجومًا كلما انقضَّ كوكبٌ ... بدا زاهرٌ منهنَّ ليس بأقتما
1 / 17
قال أبو تمام:
السيف أصدقُ أنباء من الكتبِ ... في حده الحدُ بين الجد واللعبِ
بيض الصفائح لا سودُ الصحائف في ... متونهنَّ جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ
تخرصًا وأحاديثًا ملفقةً ... ليست بنبع إذا عدتْ ولا غربِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دارَ في فلكٍ منها وفي قطبِ
لم يعلم الكفرُ كم من أعصر كمنتْ ... له العواقبُ بين السمر والقضبِ
تدبير معتصم بالله منتقمٍ ... لله مرتغبٍ في الله مرتقبِ
ومطعم النصر لم تكهمْ أسنتهُ ... يومًا ولا حجبتْ عن روح محتجبِ
لم يرمِ قومًا ولم ينهد إلى بلدٍ ... إلا تقدمه جيشٌ من الرعبِ
لو لم يقدْ جحفلًا يوم الوغى لغدا ... من نفسه وحدها في جحفلٍ لجبِ
هيهات زعزعتِ الأرض الوقور به ... عن غزوِ محتسبٍ لا غزوِ مكتسبِ
لم ينفقِ الذهب المربي بكثرته ... على الحصى وبه فقر إلى الذهبِ
إن الأسود أسود الغابِ همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
قال أيضًا:
في موقفٍ وقف الموتُ الزعافُ به ... فالمجدُ يوجد والأرواح تفتقدُ
صدعت جِريتهم في عصبةٍ قللٍ ... قد صرح الماء عنها وانجلى الزبدَ
من كلِّ أروع ترتاعُ المنون له ... إذا تجرد لا نكسٌ ولا جحدُ
يكاد حين يلاقي القرنَ من حنقٍ ... قبل السنان على حوبائه يردُ
فلوا ولكنهم طابوا فأنجدهم ... جيشٌ من الصبر لا يحصى له عددُ
إذا رأوا المنايا عارضًا لبسوا ... من اليقين دروعًا ما لها زردُ
نأوا عن المصرخ الأدنى فليس لهم ... إلا السيوفُ على أعدائهم مددُ
أما وقد عشت يومًا بعد رؤيته ... فافخر فإنك أنت الفارسُ النجدُ
لو عاين الأسدُ الضرغامُ صورته ... ما ليمَ إن ظنَّ رعبًا أنه الأسدُ
أنهبت أرواحه الأرماح إذْ شرعتْ ... فما تردَّ لريب الدهر عنه يدُ
كأنما نفسه من طول حيرتها ... منها على نفسها يوم الوغى رصد
لم تبقَ مشركةٌ إلاَّ وقد علمتْ ... أنْ لم تتبْ أنه للسيف ما تلد
قال أيضًا:
تراه إلى الهيجاء أولَ راكب ... وتحت صبير الموت أول نازلِ
تسربل سربالا من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة قاصلِ
وقد ظللتُ عقبانُ أعلامه ضحىً ... بعقبان طير في الدماء نواهلِ
أقامتْ مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتلِ
قال أيضًا:
ومن كانَ بالبيض الكواعبُ مغرمًا ... فما زلت بالبيض القواضب مغرما
وقال أيضًا:
بدلت أرؤسهمُ يوم الكريهة مِنْ ... قنا الظهور قنا الخطي مدعما
تركتهم سيرًا لو أنهم كتبتْ ... لم تبق في الأرضِ قرطاسًا ولا قلما
ثم انصرفت ولم تلبث وقد لبثتْ ... سماء عدلك فيهم تمطرُ النعما
لو كان يقدمُ جيشٌ قبل مبعثهم ... لكانَ جيشك قبل البعث قد قدما
قال أيضًا:
لنا غررٌ زيديةٌ أدديةٌ ... إذا نجمتْ دانتْ لها الأنجم الزهر
لنا جوهرٌ لو خالط الأرض أصبحتْ ... وبطنانُها منه وظهرانها تبرُ..
مقاماتنا وقفٌ على العلم والحجى ... فأمردنا كهلٌ وأشيبنا حبرُ
ألنَّا الأكفَّ بالعطايا فجاورتْ ... مدى اللينِ إلاَّ أنَّ أعراضنا صخرُ
كأنَّ عطايانا يناسبن من أتى ... ولا نسبٌ يدنيه منا ولا صهرُ
إذا زينةُ الدنيا من المال أعرضتْ ... فأزين منها عندنا الحمد والشكرْ
وكورُ اليتامى في السنين فمن نبا ... بفرخ له وكر فنحن له وكرُ
أبى قدرنا في الجودِ إلاَّ نباهةٌ ... فليس لمالٍ عندنا أبدًا قدرُ
جرى حاتمٌ في حلبةٍ منه لو جرى ... بها القطر شأوًا قيل أيهما القطرُ
فتىً ذخر الدنيا أناسٌ ولم يزلْ ... لها باذلًا فانظرْ لمن بقيَ الذخرُ
فمن شاءَ فليفخر بما شاءَ من ندى ... فليس لحيٍّ غيرنا ذلك الفخرُ
1 / 18
جمعنا العلى بالجودِ بعد افتراقها ... إلينا كما الأيام يجمعها الشهرُ
قال أيضًا:
أنا ابنُ الذين استرضعُ الجودُ فيهم ... وسمي منهم وهو كهلٌ ويافعُ
نجومٌ طوالعٌ، جبالٌ فوارعٌ ... غيوثٌ هوامع، سيوف دوافعُ
مضوا وكأنَّ المكرمات لديهم ... لكثرة ما أوصوا بهنَّ شرائعُ
فأيَّ يد في الجودُ مدتْ فلم تكن ... لها راحة من جودهم وأصابعُ
هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا ... فضاع وما ضاعت لدينا الودائع
بهاليلُ لو عانيتَ فيض أكفهم ... لأيقنتَ أنَّ الرزق في الأرض واسعُ
قال البحتري
ونحنُ من لا تطال هضبته ... وإن أنافتْ بفاخر رتبهْ
لو أعربَ النجمُ عن مناقبه ... لم يتجاوزْ أحسابنا حسبهْ
قال أيضًا:
لقد كان ذاك الجأشُ جأش مسالم ... على أنَّ ذاك الزيَّ زيُّ محاربِ
تسرع حتى قال من شهد الوغى ... لقاءُ أعاد، أمْ لقاءُ حبائبِ؟
وصاعقةٍ من فصله ينكفي بها ... على أرؤسِ الأقران خمسُ سحائبِ
يكاد الندى منها يفيضُ على العدى ... مع السيف في ثني قنًا وقواضبِ
قال أبو الطيب المتنبي:
أطاعنُ خيلًا من فوارِسها الدهرُ ... وحيدًا وما قولي كذا ومعي الصبرُ
وأشجع مني كلَّ يوم سلامتي ... وما ثبتتْ إلاّ وفي نفسها أمرْ
تمرستُ بالآفاتِ حتى تركتها ... تقولُ أماتَ الموتُ، أم ذعرَ الذعرُ
وأقدمتُ أقدامَ الأتيَّ كأنّ لي ... سوى مهجتي أو كان لي عندها وترُ
ذرِ النفس تأخذْ وسعها قبل بينها ... فمفترقٌ جاران دارهما عمرُ
ولا تحسبنَّ المجدَ زقًا وقينةً ... فما المجدُ إلاَّ السيفُ والفتكةُ البكرُ
وتضريبُ أعناقِ الملوك وأنْ ترى ... لك الهبواتُ السودُ والعسكر المجرُ
وتركك في الدنيا دويًا كأنما ... تداولُ سمع المرء أنملهُ العشرُ
وكم من جبالٍ جبتُ تشهدُ أنني ... الجبالُ وبحر شاهد أنني البحرُ
قال أيضًا:
يزور الأعادي في سماء عجاجة ... أسنته في جانبيها الكواكبُ
فتسفر عنه والسيوف كأنما ... مضاربها مما أنفللن ضواربُ
طلعن شموسًا والغمود مشارق ... لهنَّ وهامات الرجال مغاربُ
قال أيضًا:
لقد تصبرت حتى لات مصطبر ... فالآن أقحم حتى لاتَ مقتحمِ
لأتركنَّ وجوهَ الخيل ساهمةً ... والحربُ أقومُ من ساق على قدمِ
بكلَّ منصلت ما زال منتظري ... حتى أدلت له من دولة الخدمِ
شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحلَّ دم الحجاج في الحرمِ
ردي حياض الردى يا نفس واتركي ... حياض خوف الردى للشاء والنعمِ
إنْ لم أزرك على الأرماح سائلة ... فلا دعيتُ ابن أمَّ المجد والكرمِ
أعلك الملك والأسياف ظامية ... والطير جائعة لحم على وضم
من لو رآني ماء مات من ظمأٍ ... ولو مثلت له في النوم لم ينم
قال أيضًا:
أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقات الحمام
ولو برز الزمان إليَّ شخصًا ... لخضب شعر مفرقه حسامي
قال أيضًا:
يحاذرني حتفي كأني حتفه ... وتنكرني الأفعى فيقتلها سمي
طوال الردينيات يقصفها دمي ... وبيض السريجيات يقطعها لحمي
قال أيضًا:
لقوكَ بأكبدِ الأبل الأبايا ... فسقتهم وحدُّ السيف حادِ
وقد مزقتَ ثوبَ الغيّ عنهم ... وقد ألبستهم ثوبَ الرشادِ
فما تركوا الأمارةَ لاختيارِ ... ولا انتحلوا ودادكَ من ودادِ
ولا استفلوا لزهدٍ في التعالي ... ولا انقادوا سرورًا بانقيادِ
ولكن هبَّ خوفك في حشاهم ... هبوب الريحِ في رجلِ الجراد
وماتوا قبل موتهم فلمَّا ... مننتَ أعدتهم قبلَ المعادِ
غمدتَ صوارمًا لو لم يتوبوا ... محوتهمُ بها محو المدادِ
فلا تغرركَ ألسنةٌ موال ... تقلبهنَّ أفئدةٌ أعادي
وكن كالموتِ لا يرثي لباك ... بكى منه ويروى وهو صادِ
فإنَّ الجرح ينغرُ بعد حين ... إذا كان البناءُ على فسادِ
وإنَّ الماء يجري من جمادٍ ... وإنَّ النارَ تخرجُ من زنادِ
قال أيضًا:
1 / 19
التاركين من الأشياء أهونها ... والراكبينَ من الأشياءِ ما صعبا
مبرقعي خيلهم بالبيض متخذي ... هامَ الكماة على أرماحهم عذبا
قال أيضًا:
أذاقني زمني بلوى شرقتُ بها ... لو ذاقها لبكى ما عاشَ وأنتحبا
وإنْ عمرتُ جعلتُ الحرب والدةً ... والسمهريَّ أخًا والمشرفيَّ أبا
بكلِّ أشعثَ يلقى الموت مبتسمًا ... حتى كأنَّ له في قتلهِ أربَا
الموتُ أعذرُ لي والبرُ أجملُ بي ... والبرُّ أوسعُ والدنيا لمن غلبا
قال أيضًا:
تخوفني دون الذي أمرتْ به ... ولم تدرِ أنَّ العارَ شرُّ العواقبِ
يهونُ على مثلي إذا رامَ حاجة ... وقوعُ العوالي دونها والقواضبِ
كثيرُ حياةِ المرءِ مثلُ قليلها ... يزولَ وباقي عيشهِ مثل ذاهبِ
إليكِ فإني لستُ ممن إذا اتقى ... عضاض الأفاعي نام فوق العقاربِ
إليَّ لعمري قصدُ كل عجيبةٍ ... كأني عجيبٌ في عيونِ العجائبِ
بأي بلادٍ لم أجرَّ ذؤابتي ... وأي مكان لم تطأه ركائبي
قال أيضًا:
خذوا ما أتاكم به واعذروا ... فإنَّ الغنيمةَ في العاجلِ
وإنْ كان أعجبكم عامكم ... فعودوا إلى حمص في القابلِ
فإنَّ الحسام الخضيبَ الذي ... قتلتم به في يد القاتلِ
تفكَّ العناة وتغني العفاةَ ... وتغفرُ للمذنبِ الجاهلِ
فهنأكَ النصرَ معطيكه ... وأرضاهُ سعيك في الأجلِ
قال أيضًا:
أعلى الممالك ما يبنى على الأسلِ ... والطعن عند محبيهن كالقبلِ
وما ترّ سيوفٌ في ممالكها ... حتى تقلقل دهرًا قبل في القللِ
مثل الأمير بغى أمرًا فقرَّبهُ ... طولُ الرماح وأيدي الخيل والإبلِ
وعزمةٌ بعثتها همةٌ زحلٌ ... من تحتها بمكان الترب من زحلِ
تتلوا أسنته الكتبَ التي نفذتْ ... ويجعلُ الخيلَ أبدالًا من الرسلِ
يلقى الملوكَ فلا يلقى سوى جزر ... وما أعدُّوا فلا يلقى سوى نفلِ
الفاعل الفعل لم يفعل لشدتهِ ... والقائل القول لم يترك ولم يقلِ
والباعثُ الجيش قد غالت عجاجتهُ ... ضوء النهار فصار الظهرُ كالطفلِ
الجو أضيق ما لاقاه ساطعها ... ومقلةُ الشمس فيه أخيرُ المقلِ
ووكلَ الظنَّ بالأسرار فانكشفتْ ... له ضمائر أهل السهلِ والجبلِ
هو الشجاع يعد البخلَ من جبن ... وهو الجوادُ يعدُّ الجبنَ من بخلِ
يعودُ من كلّ فتح غير مفتخر ... وقد أغذَّ إليه غير محتفل
ولا يجيرُ عليه الدهرُ بغيتهُ ... ولا تحصنُ درع مهجةَ البطلِ
إذا خلعتُ على عرض له حللًا ... وجدتُها منه في أبهى من الحللِ
بذي الغباوة من إنشادها ضررٌ ... كما تضرُّ رياحُ الورد بالجعلِ
لقد رأت كل عين منك مالئها ... وجربت خير سيف خيرة للدولِ
فما تكشفك الأعداء عن ملل ... من الحروب ولا الآراء عن زللِ
وكم رجال بلا أرض لكثرتهم ... تركت جمعهم أرضًا بلا رجل
ما زال طرفك يجري في دمائهم ... حتى مشى بك مشي الشارب الثمل
إنَّ السعادة فيما أنت فاعله ... وفقت مرتحلًا وغير مرتحلِ
أجرِ الجيادَ على ما كنتَ مجريها ... وخذْ بنفسك في أخلاقكَ الأولِ
فلا هجمت بها إلاَّ على ظفر ... ولا وصلت بها إلاَّ إلى أملِ
قال أيضًا:
أأطرحُ المجد عن كتفي وأطلبهُ ... وأترك الغيث في غمدي وأنتجعُ
والمشرفيةُ لا زالتْ مشرفةً ... دواءُ كلِّ كريم أو هي الوجعُ
بالجيش تمتنع الساداتُ كلهم ... والجيشُ بابنِ أبي الهيجاء يمتنعُ
لا يعتقي بلدٌ مسراهُ عن بلد ... كالموت ليس له ريٌّ ولا شبعُ
حتى أقام على أرباض خرشنةٍ ... تشقى به الرومُ والصلبانُ والبيعُ
للسبي ما نكحوا، والقتل ما ولدوا ... والنهب ما جمعوا، والنارِ ما زرعوا
يطمعُ الطير فيهم طولُ أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقعُ
تغدو المنايا فلا تنفكُّ واقفة ... حتى يقول لها عودي فتندفعُ
لا تحسبوا من أسرتم كان ذا رمقٍ ... فليس يأكل إلا الميتَ الضبعُ
1 / 20