وقلت أيضًا:
وشادن أحوى له مقلة ... أمرضَ قلبي في الهوى سحرها
عذارهُ غاليةٌ والذي ... يفوحُ من نكهتهِ نشرها
ابن المرصص النحوي:
بأبيك سله عن العذار السائل ... هل رحمة ترجى لديه لسائل
هو كالخميلة تحت صارم لحظه ... والبيض ما برحتْ ذوات حمائل
وهو مأخوذ من ابن الساعاتي:
لقد سلَّ سيفًا والعذارُ الحمائلُ ... أرومُ حياةً عنده وهو قاتلُ
ابن التعاويذي:
أمطِ اللثامَ عن العذارِ السائلِ ... ليقومَ عذري فيكَ بينَ عواذلي
وقد أحسن بعض المغاربة وذكر الحمائل على غير هذا الوجه والنمط:
عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الذكي الناشقِ
وضممته ضمّ الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي
حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته عني وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كيلا يبيت على فراش خافقِ
قريب من هذا البيت الأخير:
وسكنتَ قلبًا خافقًا يا ساكنًا ... في غيرِ قلبٍ ساكنِ
وقلت في العذار:
أيا قمرًا في القلب أضحى محله ... تنقلتَ عن طرفي فجددتَ أحزاني
أرى كلَّ بستان بورد مسيّجًا ... وخدُّك وردٌ سيّجوهُ بريحانِ
البيت الأول من الزكي بن أبي الإصبع في قوله:
تنقلت من قلبٍ لطرفٍ مع النوى ... وهاتيكَ للبدر التمام منازلُ
ورأى موفق الدين بن أبي الحديد، رحمه الله تعالى، وكان فارس الآداب السابق في حلباتها المنتهي من حدود البلاغات إلى أبعد غاياتها، صبيًا قدم عذاره ولم يصرح نبته ونواره، فقال فيه بديهًا:
عجبوا من عذاره بعد حولي ... ن وما طال وهو غض النبات
كيف يزكو نبتٌ بخديه والنا ... ظرُ وسنانُ فاترُ الحركات
فسار هذان البيتان مسير الأمثال وتناقلتهما إلى إربل أفواه الرجال، فتقدم السعيد تاج الدين، سقى الله عهده عهاد الرضوان وبوّأه أعلى مكانة في الجنان، أن ينسج على هذا المنوال ويتبع موفق الدين فيما قال وأنشدنا، رحمة الله عليه، ولم يسم قائلًا، من شعره:
سألوه ما عذره في عذارٍ ... لم يطل منه بعد طول زمانِ
وهو غض النبات أخضر يُسقى ... ماء حسنٍ معينه من معان
كيف ينمو نباتُ خدَّيهِ والنا ... ظرُ يدعى بالفاترِ الوسنانِ
ولقد أحسنَ ما شاء في قوله:
يسقى ماء حسن معينه من معان
وقلت بديهًا:
تعجب أقوام لنبت عذاره ... وما طال في حولين وهو نضير
فقلت لهم لا تعجبوا كيف لم يطل ... فناظره وسنان فيه فتور
وكنت كاتبت محيي الدين وطلبت إليه أن يعمل في هذا المعنى فقال كلامًا معناه: لا إكراه في دين البيان، أنا أقول: جديد برد الشباب وقد تقدمت فكيف أقول في العذار إلاّ مكرهًا، وقد قلت متبعًا لا مبتدعًا:
ظنننا أنَّ نبت الخدّ منه ... يزيد فلا يكون به التفات
فمرَّ عليه حولٌ بعدَ حولٍ ... وروضته تحار لها الصفات
ومن أضحى بناظره فتورٌ ... فما يزكو لعارضه نبات
وقال أيضًا:
هذا نبات العذار في خدّه ... حلوٌ وفكري في حسنه حائرْ
وغير بدعٍ أن روض عارضه ... من بعد حولين نبته ناضرْ
فكيف ينمو نبت له عامل ... يختال سكرًا وناظرٌ فاترْ
وقال ابن الحلاوي وأكثر:
واضيعة القلب في هوى صنم ... جار على القلب فهو كافرهُ
له عذار أقام في الخدِّ حولي ... نِ وما زادَ منه ناضرهُ
ولانما والعيون مصرفها ... إليه والدمعُ فيه ساطرهُ
وكيف ينمو نباتُ عارضهِ ... وفاترٌ في السوادِ ناظرهُ
نعود إلى أبيات ابن النبيه مثل قوله:
دريّ بحمل الكأس في يوم لذة
قول الغزيّ ومنه أخذ ابن النبيه:
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حُسنًا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
وقد أشار إليه ابن النبيه من أخرى:
ريقكَ والخدُّ النضر ... ماءُ الحياةِ والخصر
في خَلقهِ وخُلقهِ ... ما في الغزالِ والنَّمر
وابن التعاويذي قد قال في هذا وأكثر وبلغ الغاية في حسن المقاصد وأصاب شاكلة الرمي، فمن ذلك قوله يصف مماليك الإمام الناصر، ﵀:
1 / 28