فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبهُ ... ولا عرضُ الدنيا عن الدين شاغله
فقال المتنبي:
فيومٌ بخيلٍ تطردُ الرومَ عنهم ... ويومٌ بجودٍ يطردُ الفقرَ والجدْبا
فانظر إلى هذا النظم وهذه السرقة الواضحة.
وقد أجاد المعري:
لو اختصرتمْ من الإحسانِ زرتكمُ ... والعذبُ يهجرُ للإفراطِ في الخصرِ
فإنه أخذه من البحتري حيث قال:
أخجلتني بندى يديكَ فسوّدتْ ... ما بيننا تلك اليدُ البيضاءُ
وقطعتني بالبرِّ حتى أنني ... متوهمٌ أنْ لا يكونَ لقاءُ
صلةٌ غلتْ في الناسِ وهي قطيعةٌ ... عجبًا وودٌّ راحَ وهو جفاءُ
وقال أبو نواس المريدي:
يغتال ألسنة المريدي ... أجلاله فيناك بالإضمارِ
فأخذه المعري وأحسن وأجاد ما شاء فقال:
كم قبلةٍ لكِ في الضمائرِ لم أخفْ ... منها الحسابَ لأنها لم تُكتبِ
الحديث ذو شجون. وقال ابن الحلاوي:
وافى يطوف بها الغزالُ الأغيدُ ... حمراء من وجناته تتوقد
مالت بنا وأماله سكر الصبا ... فنديمها كمديرها يتأوَّد
ثقلت روادفه وأرهف لحظه ... فالقاتلان مثقّلٌ ومحدَّدُ
وإذا انثنى وإذا رنا فقوامه ... واللحظ منه مثقَّفٌ ومهندُ
البيت الرابع مأخوذ من ابن النبيه:
رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا
وقد تقدم. وبيت ابن النبيه أجود وأجمع فإن المعنى تم في نصف بيت، وبيت ابن الحلاوي فيه كلفة، ومن أبيات ابن النبيه:
غلامٌ أرادَ الله إطفاء فتنة ... بعارضهِ فاستأنفت فتنةً أخرى
دريٌّ بحملِ الكأسِ في يومِ لذَّةٍ ... ولكن بحمل السيفِ يوم الوغى أدرى
خذوا حِذركمْ من خارجيِّ عذارهِ ... فقد جاءَ زحفًا في كتيبتهِ الخضرا
مثل:
غلامٌ أرادَ الله إطفاء فتنةٍ
قول القائل وإن لم يذكر الفتنة:
قد كان بدر السماء حسنًا ... والناس في حبِّه سواءُ
فزاده ربَّه عذارًا ... تمَّ به الحسنُ والبهاءُ
لا تعجبوا ربنا قديرٌ ... يزيدُ في الحسن ما يشاءُ
ومثله وهو أوضح:
وقد كنتُ أرجو أنهُ حين يلتحي ... يخفف أحزاني ويوجدني صبرا
فلما بدا نبتُ العذارِ بخده ... تضاعفت البلوى بواحدةٍ عشرا
أقول: للناس في العذار مذاهب مذهبة معجبة، ومقاصد للقائلين به مطربة، وها أنا أذكر منها ما يشوق وما يروق، ويزهو على نضارة الريحان والآس ويفوق، على قدر ما يسنح ويخطر، وأعود بعد ذلك إلى إتمام ما أذكره من شعر ابن الحلاوي، ﵀. فمن ذلك ما أنشدنيه بعض الأصدقاء:
شغل الرجال عن النساء وطالما ... شغلَ النساءَ عن الرجال مراهقا
عشقوه أمرد والتحى فعشقْنهُ ... الله أكبرُ ليسَ يُعدمُ عاشقا
ومثله:
وإن واوات شعر عارضه ... كالشصّ تصطادُ من بها عبرا
شرط النسا والرجال يصلح لل ... حالين أنثى إن شئتَ أو ذكرا
وللسري الرفاء الموصلي الكندي في العذار:
صنمٌ شُغفتُ بحبهِ ... فعذرتُ منْ عبدَ الصنمْ
أحببتهُ فحملتُ عن ... أجفانهِ بعضَ السقمْ
شعرٌ ألمَّ بعارضي ... هِ فزادَ عاشقهُ ألمْ
والسيف يحسنُ في الحُلى ... والبدرُ يشرقُ في الظلمْ
والطرسُ أحسنُ ما يكو ... ن إذا جرى فيه القلمْ
آخر:
يا ذا الذي دبَّ له عارض ... ما البلدُ المخصبُ كالماحلِ
يجول ماء الحسنِ في وجهه ... فيقذف العنبرَ للساحلِ
أنشدني بعضُ أصحابنا:
لهيب الخدّ حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراشِ
فأحرقه فصار عليه خالًا ... وها أثر الدخان على الحواشي
أنشد أبو منصور بن البناء، وفيها كلفة وتغريب:
أبت عقربا صدغيك ألاّ توقفا ... عن السعي لما دبَّ تحتهما النملُ
ومن يصحب الإنسان يعلمُ أنه ... يرى قتله نفعًا فليس له عقلُ
وقد أجاد القائل:
لما بدت عارضاه تسطو ... بأيِّ أمرٍ وأيِّ نهْيِ
أيقنت أنَّ العذار سحرٌ ... خُطَّ بمسكٍ في رقّ ظبي
وقلت من أبيات:
يلوم على حبّيه خالٍ من الهوى ... فأضرب عمن لام فيه كأنني
وكيف وقد لاح العذار بخده ... أقوم بعذرٍ في تسليه بيّنِ
1 / 27