وليست دعاية سعد كذبا مما استمرأه تجار السياسة فى هذه الأيام، إنها هى دعاية الإسلام، فيها أثر السماء وطهر الوحى، فهو يرسل إلى كسرى مندوبيه ليفاوضوه ويعرضوا عليه ما عندهم، وليعرفوا ما عنده فيقول قائلهم لوجهاء فارس: "إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة، فلم يدع قبيلة إلا صدقته منها فرقة وتباعدت فرقة، ثم أمرنا أن نبتدئ إلى من خالفه من العرب، فبدأنا بهم فدخلوا معه علي وجهين، مكره عليه لم يلبث أن اغتبط، وطاح فازداد من عند الله، ولقد علمنا جميعا ما جاء به على الذى كنا فيه من العداوة والضيق، ثم أمرنا أن نتوجه إلى من يلينا من الأم فندعوهم إلى الإنصاف.. فنحن ندعوكم إلى دين حسن الحسن كله وقبح القبيح كله، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه، الجزية، فإن أبيتم فالحرب، أما إذا اخترتم ديننا.. خلفنا فيكم كتاب الله على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم".
ص _193
يتركون لهم بلادهم ما داموا فيها يعبدون الله وحده.. هذه نظرية "الاستعمار" الإسلامى- لو صح التعبير- التى لا تعرف استغلالا ولا استبعادا، والتى يحاول بعض السفهاء أن يقرنوها بالاستعمار الأوروبى، كأن بينهما شبها. * * * * سعد الأمين: ولى سعد الكوفة، وسار فيها سيرة عمر، ثم عرض له ما أشرنا إليه فى بداية الحديث، فترك الناس وآثر الوحدة، وحدثت الفتنة الكبرى فاعتزل الناس جميعا وهو يقول: ما بكيت من الدهر إلا ثلاثة أيام: يوم توفى الرسول صلى الله عليه وسلم ويوم قتل عثمان، واليوم أبكى على الحق، فعلى الحق السلام... ص _194
पृष्ठ 195