من العسير أن نرجع انتصارات المسلمين فى صدر تاريخهم الرائع إلى جهد فرد وكفايته وتدبيره، فنصيب الجندى المغمور فى إحراز هذا الفوز لا يقل عن نصيب القائد المشهور ، إذ كان اليقين المحض هو الروح الثائرة الدافعة لهذه الموجات المترادفة من جند الإسلام، تجرف أمامها كل ما حشد أعداء الله وأعدوا.
ولكن هذا لا ينتقص وظيفة القيادة التى إذا نجحت فى مهمتها استطاعت استغلال هذه الحماسة المتأججة، وتنظيمها وتركيز ضرباتها، وبلوغ هدفها.
ولقد بلغ سعد من ذلك شأوا بعيدا، فلما أدار دفة الحرب فى القادسية والمدائن كانت أعصاب الرجل العظيم لا تخور فى مأزق ولا تلين لنكبة، ولقد احمرت مياه الأنهار لكثرة ما امتزج بها من دماء القتلى، كما احمرت لذلك أحداق سعد، وأكرهه المرض ألا يقف على قدميه، فكان يصدر أوامره السريعة فى رقاع من الورق، ويشرف على فصائل البدو وهى تشتبك فى أقسى قتال مع جيوش مدربة معبأة، ليالى عددا يتصل ظلامها بنهارها، ويستميت الفريقان فيها، كل فى موقفه لا يزحزحه عنه إلا الموت.
* * *
* دعاية سعد:
पृष्ठ 194