ودلالة أخرى تدل على أن حركة الحرف بعده، وهي أنك إذا أشبعت الحركة تممتها حرف مد، كما تقدم من قولنا في نحو ضرب وقتل، إذا أشبعت حركة الضاد والقاف قلت ضارب وقاتل. وضرب وقتل إذا أشبعت قلت: ضورب وقوتل وكذلك ضراب وقتال، إذا أشبعت قلت ضيراب وقيتال. فكما أن الألف والواو والياء بعد الضاد والقاف، فكذلك الفتحة والضمة والكسرة في الرتبة بعد الضاد والقاف، لأن الحركة إذا كانت بعضا للحرف، فالحرف كل لها، وحكم البعض في هذا تابع لحكم الكل، فكما أن الحروف التي نشأت عن إشباع الحركات بعد الحروف المتحركة بها، فكذلك الحركات التي هي أبعاضها وأوائل لها وأجزاء منها، في الرتبة بعد الحروف المتحركة، وهذا واضح مفهوم لمتأمله.
فإن قلت: ما تنكر أن تكون الحركة تحدث مع الحرف المتحرك البتة، ثم تأتي بقية حروف اللين التي هي مكملة للحركة حرفا مستأنفة بعد الحركة التي حدثت مع الحرف البتة، كما قد نشاهد بينا من الأشياء ما يصحبه بعض لغيره، ثم يأتي تمام ذلك البعض فيما بعد، فلا يلزم من هذا أن يكون ذلك البعض الذي شوهد أو مصاحبا لغيره، في حكم البقية التي جاءت من بعده، بل يكون الجزء الأول مصاحبا لما وجد معه، والجزء الثاني آتيا من بعده، ونظير هذا: رجل له عشرون غلاما، فقدم ومعه منهم عشرة، ثم أوفى بعد استقراره بمن وافى في جملته من غلمانه بقيتهم، فليس تأخر من تأخر منهم بموجب تأخر من تقدم منهم، فما أنكرت مع ما مثلنا أن تكون الحركة حادثة مع الحرف، وتكون المدة التي تحدث لإشباع الحركة مستقبلة فيما بعد.
فالجواب أن هذا التمثيل إنما يصح فيما أمكن تقطعه وتجزؤه، لأنه قد يمكن أن يحضر بعض الغلمان مع مالكهم، ويغيب بعض، فأما ما اتصلت أجزاؤه وتتابعت وتوالت شيئا فشيئا، ولم يمكن قطعها، ثم العود إلى تمامها، فقد جرى لذلك مجرى الجزء الواحد الذي لا يسوغ تجزؤه، فمحال أن يكون له حكم إلا وهو مشتمل عليه١، وذلك حكم حرف المد الذي يحدث عن تمكين٢ الحركة ومطلها٣.
_________
١ مشتمل عليه: أي يحتوي عليه ويصيبه نفس حكمه. اللسان "٤/ ٢٣٢٩".
٢ تمكين: أي تمكن واستمكان. مادة "م. ك. ن" اللسان "٦/ ٤٢٥١".
٣ مطلها: أي إطالتها. مادة "م. ط. ل" اللسان "٦/ ٤٢٢٥".
1 / 45