واستطالتها، هو من هذا الوجه في حكم الحركة، والحركة في حكمه، لأنه لا يمكن فصل الحركة منه، والعود إلى استتمامه، لأن هذه المدة المستطيلة إنما تسمى حرفا لينا ما دامت متصلة، فمتى عقتها١ عن الاستطالة بفصل ما فقد أخرجتها عن اللين والامتداد الذي من شرطها، وإذا كانت الحركة لاتصالها بالحرف في حكمه، كما أن الألف بعد الضاد في ضارب، فكذلك الفتحة في الرتبة بعد الضاد.
وقول النحويين إن الحركة تحل الحرف مجاز، لا حقيقة تحته، وذلك أن الحرف عرض، والحركة عرض أيضا، وقد قامت الدلالة عن طريق صحة النظر على أن الأعراض لا تحل الأعراض، ولكنه لما كان الحرف أقوى من الحركة، وكان الحرف قد يوجد ولا حركه معه، وكانت الحركة لا توجد إلا عند وجود الحرف، صارت كأنها قد حلته، وصار هو كأنه قد تضمنها، تجوزا لا حقيقة.
واستدل أبو علي على أن الحركة تحدث مع الحرف، بأن النون الساكنة إذا تحركت زال عن الخياشيم إلى الفم، وكذلك الألف إذا تحركت انقلبت همزة، فدل ذلك عنده على أن الحركة تحدث مع الحرف، وهو لعمري استدلال قوي٢.
قد فرغنا من ذكر مائية٣ الأصوات والحروف والحركات، وأين محل الحركات من الحروف. ونحن نتبع هذا القول، على معنى قولهم، حروف المعجم، وعددها، وأجناسها، وأصنافها، ثم نستأنف بعد ذلك القول على حرف حرف منها، بحسب ما شرطنا على أنفسنا، وجعلناه في ضمان كتابنا، بإذن الله وقدرته.
_________
١ عقتها: أي حبستها. مادة "ع. و. ق". اللسان "٤/ ٣١٧٣".
٢ في هامش ب ما نصه: "حاشية. في الأصل بخط ابن جني المصنف ﵀ قد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالخصائص ما يقدح في قول أبي علي ﵀ هذا، وأرينا أن الأثر قد يكون قبل وجود مؤثره، أعني باب.. وعمبر وشمباء. تمت" وهي في متن ص مختصرة ومحرفة، وأولها يشعر بتقدم تأليف كتاب الخصائص على سر الصناعة، وقوله: فيما بعد، يشعر بأن كتاب الخصائص ألف بعد سر الصناعة، وفي هذا تناقض، ويزول التناقض إذا عرفنا أن ابن جني كان دائم التنقيح لمؤلفاته، فيظهر أنه بعد إشارته للرد على أبي علي في هذا الكتاب، بدا له أن يشبع القول فيه مبينا فساده، فألحق أدلة ذلك بكتابه الخصائص "ص٢٩ من النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم ٥ نحو ش".
٣ المائية: الماهية، وهي حقيقة الشيء التي يسأل عنها بما، أو بما هو؟
1 / 46