فالمثلان نحو قولك: قصص ومضض وطلل١ وسرر وحضض٢ ومرر٣ وقدد٤، فلولا أن حركة الحرف الأولى في هذين المثلين بعده، لما فصلت بينه وبين الذي هو مثله بعده، ولو لم تفصل لوجب الإدغام، لأنه لا حاجز بين المثلين، فإن ظهر هذان المثلان ولم يدغم الأول منهما في الآخر منهما، فظهورهما دلالة على فصل واقع بينهما، وليس هاهنا فصل البتة غير الحركة المتأخرة عن الحرف الأول.
فإن قيل: فما تنكر أن يكون الفاصل بين المثلين في نحو طلل وسرر إنما هو حركة الحرف الأول، دون ما ذهبت إليه من حركة الحرف الأول.
قيل: قد تقدم من القول ما فيه دلالة على أن الحركة لا يجوز أن تكون قبل الحرف، ويدل على فساد قول من قال إن الحاجز بين المثلين في نحو جدد وعدد، إنما هو حركة الثاني، أنه لو فصل هنا بالحركة، لوجب الفصل بها في نحو شد ومد، مع حركة الثاني منهما، دلالة على أن الحركة في الحرف الثاني لم تفصل بينه وبين الأول، ولو كانت في الرتبة قبله لوجب الفصل بها بينهما، وأيضا فإنك تقول: شددت وحللت، فتظهر، لأن الثاني من المثلين ساكن.
فهذا أمر، كما تراه، واضح في المثلين.
وأما المتقاربان فنحو قولك في وتد إذا سكنت التاء لإرادة الإدغام ود، فكانت الحركة في التاء قبل إسكانها فاصلة بينها وبين الدال فوجب لذلك الإظهار فلما سلبت التاء كسرتها، وزالت التاء أن تكون حاجزة بينهما بعدها، وسكنت التاء، واجتمع المتقاربان، أبدلت التاء دالا، وأدغمتها في الدال بعدها، كما تقول في انعت داود: انعداود، فظهور التاء في وتد ما دامت مكسورة، وإدغامها إذا سكنت، دلالة على أن الحركة قد كانت بينهما، وإذا كانت بينهما، فهي بعد التاء لا محالة.
فهذه دلالة من القوة على ما ترى.
_________
١ طلل: ما شخص من آثار الدار، "ج" أطلال. مادة "ط. ل. ل". اللسان "٤/ ٢٦٩٧".
٢ حضض: دواء معروف. مادة "ح. ض. ض". اللسان "٢/ ٩١٠".
٣ مرر: جمع مرة، والمرة: إحكام القتل أو إحكام العقل أو شدته. اللسان "٦/ ٤١٧٧".
٤ قدد: جمع قدة، والقدة الطريقة والفرقة من الناس إذا كان هوى كل واحد على حدة. يقال: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ . مادة "ق. د. د" اللسان "٥/ ٣٥٤٣".
1 / 44