ومثل البيت الذي مضى، بيت آخر من أبيات الكتاب، وهو قول الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف١
أراد الصيارف، فأشبع الكسرة، فتولد عنها ياء.
فأما الدارهيم فلا حجة فيه، لأنه يجوز أن يكون جمع دراهم، وقد نطقت به العرب، قال:
لو أن عندي مئتي درهام ... لجاز في آفاقها خاتامي٢
ومثل البيت الأول قول أبي ذؤيب:
بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع٣
_________
١ نفي الدراهم: إثارتها للانتقاد، والدراهم: جمع درهم، وجاء في تكسير درهم: دراهيم أيضا. اللسان "٢/ ١٣٧٠". والتنقاد: مصدر كالنقد، إلا أنه للمبالغة.
والصياريف: جمع صيرف كالصيارف، والكوفيون يجعلون زيادة الياء في نحو الدراهيم والصياريف جائزة، والبصريون يجعلونها ضرورة للشعر، اللسان "٤/ ٢٤٣٥".
والبيت في وصف ناقة بالقوة، شبه خروج الحصى من تحت مناسمها بارتفاع الدراهم عن الأصابع إذا نقدها الصيرف، وهو تشبيه بليغ يوضح المعني ويؤكد الفكرة.
والشاهد فيه: إشباع حركة الكسر فتولد عنها ياء في كل من الدراهيم، والصياريف، وكلاهما مجرور بالإضافة.
٢ الدرهام: الدرهم، وزعم سيبويه أنهم لم يتكلموا به، ولكن الجوهري أثبتها في الصحاح مستشهدا بهذا البيت، وعلى ذلك يكون "الدراهيم" في بيت الفرزدق السابق جاريا على القياس.
٣ بينا هنا بمعنى بين، وبين مضافة إلى تعنقه، لأنه قد عطف عليه قوله "وروغه" وهذا الظرف لا يضاف إلا لما يدل على أكثر من واحد، أو ما عطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف، وللعلماء فيما بعد بينا وبينما مذهبان.
فالأصمعي يخفض ما بعدهما إذا صلح في موضعهما "بين" وينشد هذا البيت بكسر تعنقه، وغير الأصمعي يرفع ما بعد بينا وبينما، على الابتداء والخبر، وينشد هذا البيت بالرفع والخفض "انظر اللسان في مادة بين". "١/ ٤٠٥".
والتعنق: المعانقة. والكماة: جمع كمى، وهو البطل المتستر في سلاحة.
وروغه المخادعة. واتيح: تهيأ. وسلفع: شجاع جريء جسور.
والشاهد فيه: قوله: "بينا" يريد "بين تعنقه" وأن الألف وإن كانت إشباعا للفتحة فهي في هذا الموضع زيادة لازمة.
1 / 40