وكان أحد أخوة عمير رجلا بعلى يدعى، فأشار عليه بعض عبيده بأخذها جميعا، وأن يدخل بها على ناصر بن قطن فقال سمعا، فأخذها وتوجه بها إليه، وجعل حاله ومعتمده بعد الله عليه، وما زال ناصر بن قطن وعلي ابن محمد المذكور، يركبون ويغيرون على عمان في بعض الشهور، ثم لم يزل ناصر بن قطن محاربا الإمام، واجفة وجلة منه قلوب الأنام، قد شق على البادية خوفه في الفلوات، وعم بأسه سائر الأقوام في البقاع والخلوات حتى التجأت البادية خوفا منه إلى البلدان محاذرة على المواشي والأهل والولدان، ثم أقبل غازيا إلى عمان، وعنده ابن عمه هلال بن علي بن قطن وبعض البدوان، وأناخ بذلك الجيش بناحية من الجنوب، ووجه جنوده لقطع السبل والدروب، فوجه إليه الإمام جحفلا لهاما وقلسا قمقاما وأمر فيه أعمامه الكرام، المنتخبين للمجال والصدام، وهم سيف بن مالك وسيف بن أبي العرب وخزام، وعندهم من الجماعة الموصوفين لوقوع الحمام، وغيرهم من رؤساء القبائل وقدماء الأفاضل، فالتقى الجمعان عند ذلك شر ملتقى، إذ علم الله أن لا لهم في الحياة بقاء، فبادرت منهم للعداء أول زمرة، وهي لذلك الجيش العرمرم جمرة، فصدمتها الأعداء لقتلها العدو في كثرة، فقتلوا جميعا بأمر الله والله بالغ أمره، وذلك لاشتمال القضاء المحتوم ولاستكمال الأجل المعلوم.
قال المصنف المعتصم بالله المنان عبد الله بن خلفان بن قيصر بن سليمان في أولئك الأقوام الشهداء شعرا من الطويل وهو:
=""
حقوق القضاء للعاملين صوائب =ولم يحجب الأخلاق عنهن حاجب
إذ قض الله المقدر لامرئ =ولو في صياصيه أتته النوائب
فلله آجال قوم تكاملت =لذي مشهد فيه القنا والقواضب
بأكبادهم وقع اللهاذم والظبا =ولم تثنهم عنها الظنون الكواذب
أرادوا كل خير في الذي شاهدو له =إذا ما توقاه الجبان المجانب
قد اصطبروا للقتل في حومة الوغى =وقصدهم تحصيل ما هو غائب
पृष्ठ 44