ثم إن الإمام نصره الله جهز جيشا لهاما، وأمر فيه علي بن أحمد بن عثمان النزوي وجعله مقداما، وعضده ببني عمه أبي العرب الأمجاد، وأمرهم على امتثال أمره والطوع له والانقياد، فقام الجيش على أقدامه يقطع السباب والآثار، ويجتاب الصياحة ويجاوز والقفار مستقبلا قاصدا بمشيئة الله تعالى بلدة جلفار حتى بلغها وذلك الجيش الكبير، وكان بحصنها ناصر الدين العجمي الأمير، وعنده جيش من العجم أهل مينا ووفار وحصير، فحصرت العرب العجم بحصن الصير، وما زالوا مجتهدين في الجهاد من غير تقصير، مشمرين في ذات الله تعالى غاية التشمير، وقد استنصروا لله فنصرهم وهو نعم المولى ونعم النصير، وما يرجوا فيها قائمين بالحرب والنزال، والعزم القوي الذي لا يزال، فظاهرت الأعداء فرقة من المشركين، وكانوا في قتال المسلمين على المجرمين يقدر رقابهم وكان لحصن الصير برج معتزل عنه له جدار، والجدار هو متصل بالحصن وهو له مدار وفيه أقوام تقاتل آناء الليل وأطراف النهار، وكان غربان النصارى تدفع بمدافعها المسلمين عن الحصن بضرب مدافعها، وليس ضرها عن سطوات المسلمين بنافعها، فعزم المسلمون على هجم البرج الذي هو للحصن منقاد، واتفقت آراؤهم إذا غشي القوم الرقاد، فهجموا عليه ليلا وأخذوه قهرا، ومالوا على الحصن فافتتحوه جهرا، وذلك من فضل الله على الناس وتتابع نعمه وحسن ألطافه الخفية فيهم وواسع كرمه وجعل والي الإمام بحصن الصير من جنابه واليا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ونالوا بذلك فضلا وفخرا وقال المصنف في ذلك شعرا :
لقد أيد الله دين الهدى =فما زال حيا لنا سرمدا
وقد فاز عزا على كل دين =وقد ناف طولا لدين الهدى
وها نحن في ضل خير تقى =له غرة مثل صبح بدا
إمام زكي إذا ما أتى =تخر الملوك له سجدا
جلا عن قلوب الملا ريبها =وكالبيض كانت عليها الصدا
به أيد الحق بعد الضلال =وقد كاد يصمي بوقع الردا
पृष्ठ 29