فأرسلوا أبناء جفير للوالي عبد الله بن محمد الموصوف بالخير، يسعون في أنواع الصلح وأسبابه خاضعين له ومنتظرين لجنابه، فعلم بما هو عليه من سجية وطبيعة، كما قيل قدم الحرب بالخديعة، فلما أن أوضح لديه حالهم الجلي، جهز لهم جيشا وأمر فيه الوالي محمد بن علي، ليهجم جمعهم المستكن بصحار، وليكن ذلك بعد الهد وفي غياهب الأصحار، فأتوهم عند ذلك قبل بدوا الصباح، في موضع يدعى بمنقل مقرن في الأحاديث الصحاح، وهو مما يلي الجنوب من الحصن على ساحل البحر، فهناك قد وقع فيهم الطعن والضرب والنحر، ثم رجع والي الإمام محمد بن علي إلى الولاة حاكيا لأصحابه ما فعله في أضداده وسواء، فما زالوا محاصرين الحصن بعد هذه الوقعة بمدة، معتدين للحرب بأعدل إله وأكمل عدة، حتى أرسل سيف بن محمد بن علي رجال اليحمد وهم العدة، إذ هم يومئذ رؤساء الرستاق، ونجباء الإمام وأهل الشوكة يوم التلاق ن ليدخلوا به على الوالي الأكبر المقدام الغضنفر والكوكب الدري الأزهر، وهو عبد الله بن محمد الأفخر، ليخرجوا من حصنهم آمنين ومن سائر النهب والسلب سالمين، فأعطاهم والي الإمام الأمان، وأدخل عليهم رجال اليحمد بالإعلان، فخرج سيف بن محمد في الوقت والحين، ولم يعلم به أحد من المسلمين، وخرجت من بعده سائر الأقوام، وما تضمنه ذلك الحصن من الأنام، فدخل والي الإمام الحصن بعد الحصر، وذلك خير أذن الله تعالى بالنصر، وقد كان الحصر ستة أشهر في التعداد، كما روى لنا ذلك في صحيح الإسناد، وكان الجبري ناصر بن ناصر بن قطن المذكور، لا قد ناصر الوالي عبد الله بن محمد المشهور، على فتح حصن لوى بما عنده من الجمهور، وقام بالجهد والاجتهاد في ذلك رجال العمور، فجعل في الحصن واليا من جنابه، عاملا بما أمر الله به في كتابه، وجعل معه بعض الرجال الموفين بحفظ الذمام، العارفين بالدلائل والأمور والأحكام، ثم رجع الوالي بعد ذلك لعالي جناب الإمام، حاكيا له عما شاهد هناك على التمام، مؤيدا منصورا مسرورا محبورا فائزا بالمرام، وقال المصنف فيما وقع ببلدة لوى من الأمور جهرا وهو عبد الله بن خلفان بن قيصر شعرا، واصفا خلق مولانا السنية وحسن سيرته المرضية:
لقد من الإله على العباد =بآلاء ونعماء بوادي
وسربلنا بسربال حصين =يقينا دائما كيد الأعادي
أقام لنا إماما ذا وقار =يدل العالمين على الرشاد
إذا ما فاه في النادي بوعظ =تلين له قلوب كالجماد
به دين الهدى قد ناف طولا =وفاق علا على دين الفساد
هو البدر التمام بجنح ليل =هو الشمس المنيرة للعباد
به آمن الخليقة في سراها =فلم تخش المهامة في السدادي
بذكر اسم الإمام يطيب برا =بكوم بل يلذ جدا لحادي
فمن عجبي إذا ما فهمت يوما =بمدح فيه يسبقني مدادي
ومن عجبي لمدح فيه جدا =ولم تقض القرائح من فؤادي
ولم ننقص بدايتها بمدح =لأوصاف به بل في ازدياد
فلا زال الزمان به منيرا =له ثاني معا والضد فادي
به افتتحت لوى فانجاب عنها =ظلام غياهب جسم السواد
وجانبها الفساد وكل فحش =وأنواع الغواية والعناد
وقد أضحت بدولته تحاكي =بهجات معا ذات العمادي
فما غشيت سراياه لقوم =معا إلا رأت نيل المراد
إذا ما أم أقواما بجيش =تحييه البلاد مع العباد
قال الراوي لهذه السيرة الرائقة والطريقة المنيفة الفائقة:
ثم إن الإمام جهز جيشه العرمرم، وأمر فيه الشيخ التقي المكرم، والنقي الصفي المفخم، ذا التقوى والإيمان ن الشيخ مسعود بن رمضان، ومعه رؤساء القبائل من عمان، وسيرهم قاصدين مسكد بالتحقيق، فأناخ الجيش بموضع يقال له طوي الدولة بالتصديق، وهي بالمطرح قرب مسكد المذكورة، ودارت رحى المنون ما بين المسلمين والمجرمين للأخبار المشهورة، ووقع ما بينهم الضرب والطعن الشديد، وكان النصر للمسلمين على المشركين والتأييد، وهدموا م احتووا عليه من مسكد من بروج باذخة ومبان شامخة، وقتل من المشركين خلق كثير لا يحصون عددا، وذلك مما روى لنا من الحديث مسندا.
पृष्ठ 25