63

कविता और चिंतन

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

शैलियों

إلا ليكون أكثر وحشية من كل الوحوش. (الأبيات 283-286)

بهذا حدد فكرته عن العالم والاتجاه الذي تسير فيه إرادته، كما حدد ميدان نشاطه وقوته. فهدفه - كما كان في الأسطورة الشعبية - هو امتلاك روح فاوست، لكن جوته يخرج في عرضه الحي لتحقيق هذا الهدف خروجا عن الأسطورة. فقد ظلت هذه تحمل طابع القرون الوسطى، وتعبر عن التضاد الحاد بين الخير والشر المتصارعين على كسب روح الإنسان. أما الآن فقد أصبح الصراع يدور بأكمله في الباطن كما أصبح «مفيستو» يمثل جانبا من شخصية «فاوست»، وتطوره النفسي والتاريخي الخاص، بقدر ما يحتفظ بملامح وجهه المتميز إلى الحد الذي ينكر معه طبيعته الشيطانية، ويخلع عنه كل ملامحه العرضية والسحرية التي ألصقتها به الأسطورة، حتى ليعلن أن طريق فاوست إلى الخلاص أو اللعنة إنما يعتمد عليه وحده:

وحتى لو لم يسلم نفسه للشيطان

لكان قد هلك مع ذلك ...

لقد فقد الشيطان طابعه المتعالي أو فوق الطبيعي بمثل ما أكد فاوست مكانه فوق الأرض، وحركته في التاريخ:

من هذه الأرض تنبع أفراحي،

وهذه الشمس هي التي تضيء أتراحي،

ولو أوتيت القدرة على البعد عنهما

فليحدث عندئذ ما شاء له أن يحدث. (1663-1666)

وتتوالى المشاهد بعد هذا الحوار الرئيسي الأول بين فاوست ومفيستو. وتتحول الأسطورة الأصلية إلى صراع من أجل حماية النواة الباطنة من كل الإمكانات «الشيطانية» داخل الإنسان نفسه (أي داخل فاوست وجوته الذي يعبر الإنسان والشيطان كلاهما عن ذاته ومعتقداته) وهذا الصراع بين الخير والشر هو الذي يولد الاتجاه نحو التطور، وهو الذي يعبر عن «الاستقطاب» الدائم في نظرة جوته إلى العالم، كما يعبر عن إيمانه بمستقبل البشرية. فحتى الشر في هذا الجدل الطبيعي الحي يمكن أن يكون عجلة للتقدم الموضوعي، تشهد على هذه العبارة المشهورة التي يعترف فيها مفيستو بأنه جزء من تلك القوة التي تريد الشر دائما وتخلق الخير على الدوام (البيتان 1335-1336) أن بذور الخير يمكن أن تكمن في الشر، كما يمكن أن يكون ثمة شيء شيطاني في أسمى المشاعر. وهذا التأرجح على حد الموسي هو الذي يؤلف الدراما الداخلية في فاوست، التي تؤلف بدورها جزءا من الدراما أو بالأحرى من الجدل الكلي. وهنا يحاول المؤلف أن يثبت أن جدل الخير والشر يعبر عن المرحلة التي شهدها جوته من تطور الرأسمالية، وأن جشع الشيطان إلى الذهب والمال والجنس بوصفها الخير الأسمى هي كذلك تشخيص حي للرأسمالية، ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن نجد مفيستو في القسم الثاني من فاوست يصبح هو مخترع النقود الورقية، ورمز سيطرة المال على أوضاع مجتمع إقطاعي مضمحل، وأن نراه يساعد فاوست على إخضاع البحر للفعل الإنساني، فيبني مرفأ وتزدهر تجارته، كما يعينه على إتمام سيطرته على أرضه ومملكته الجديدة بمصادرة قطعة الأرض الصغيرة التي كان العجوزان الطيبان «فيلمون وباوكيس» يقيمان عليها كوخهما الفقير، وطبيعي أن تكون مساعدته بالطريقة الرأسمالية المعتادة، أي بالنار والسيف! ومع ذلك فإن الصراع بين فاوست ومفيستو يتعدى هذا الجانب الرأسمالي الأساسي في شخصية الشيطان؛ لأنه صراع روحي وأخلاقي يمتد إلى قضايا الحياة البشرية، ويعكس في حركة صعوده وهبوطه تأثير الاتجاهات الشيطانية على روح الإنسان. ومسيرة هذا الصراع كله هي وحدها التي تقدم الجواب على الرهان بين الله والشيطان، وتبين انحلال العقيدة في مصير فاوست. والواقع أن اللقاء بين فاوست ومفيستو، حتى فيما يتعلق بالرهان ليس إلا لقاء على ساحة المعركة. وبالرغم من أنهما يوافقان معا على الرهان الذي تم منذ البداية في «الاستهلال في السماء»، فإن كلا منهما يفهم معنى مختلفا لنفس الكلمات. إن جهد مفيستو الشيطاني يتركز في عرض الحياة على فاوست، ولكن فاوست يحمل في ذهنه شيئا مختلفا تماما عن التمتع بالحياة. إنه يريد تحقيق إمكاناته الفردية وتطويرها، بحيث يمكنه أن ينفذ إلى الواقع، ويعرفه ويسيطر عليه - كما حدث بالفعل في نهاية القسم الثاني عندما اتجه إلى خدمة المجموع بالعمل المثمر - تدل على هذا تلك الأبيات المشهورة التي لم يستطع مفيستو أن يفهمها أبدا؛ لأنها لم تقصد الاستمتاع باللحظة العابرة، وإنما أرادت التحقق في واقع ما يزال يتمثل له رؤيا في المستقبل:

अज्ञात पृष्ठ