कविता और चिंतन
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
शैलियों
إن قلت للحظة يوما:
تريثي قليلا فما أجملك!
فبإمكانك أن تقيدني بالأغلال،
وسيكون الموت هو أقصى مناي!
عندئذ فلتقرع أجراس الموت،
ولتوقف عقارب الساعة،
فلقد ذهبت أيامي وانقضى زماني! (الأبيات 1699-1704 حجرة الدرس)
كان فاوست يتطلع إلى الحياة بمعناها الإنساني الشامل لا إلى الاستمتاع الحسي بالحياة. ولهذا يبلغ الصراع بينه وبين الشيطان ذروته في مواقف يصعب الحديث عنها هنا بالتفصيل: في الرهان بينهما، وفي مأساة جريتشن، وفي نشاط فاوست العملي الأخير. في هذه المواقف كلها لم يلتهم فاوست التراب كما تصور الشيطان، ولم يستسلم لمتعة اللحظة العابرة؛ لأنه كان دائما ينتظر «السعادة العظمى في لحظة متناهية الجلال» لعلها أن تكون هي اللحظة التي تحقق وعد الله سبحانه في نهاية فاوست: «من أخلص في مسعاه، كتبنا له النجاة» (البيتان 11936-11937)، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تتسم المشاهد الختامية من القسم الثاني من فاوست بمزيد من المناجاة (المونولوج) العميقة في دراميتها ومأساويتها؛ ذلك لأن مفيستو لا يساهم في الصراع الداخلي الذي يخوضه فاوست ضده. لقد كرس فاوست نفسه للنشاط العملي، وراح يعمل على إخضاع الطبيعة للإنسان، وانتزاع اليابسة من البحر لخدمة المجموع. تجاوز مرحلة الاستمتاع الجمالي بالعالم (وإن ظل ينظر إليه كشيء متعال خالد)، فأصبح بالنسبة إليه ميدانا للنشاط العملي والسيطرة البشرية «وطريقا وحيدا للخروج من الفوضى الشيطانية والسحرية للعصور الوسطى» (ص143)، ولكنه جعل نفسه بذلك أكثر تعرضا لتهديد مفيستو مما كان عليه عندما وقع في حبه الفردي لجريتشن. لقد سقط الطابع الفردي عن صراعاته الداخلية، وعذاب الندم الذي يعانيه بسبب موت العجوزين الفقيرين اللذين أشرنا إليهما قد صار عذابا من أجل المجموع، وارتبط بالأسس الاجتماعية والإنسانية لطريقة تصرفه بأسرها. ويسلط عليه مفيستو «الهم» في صورة امرأة تطفئ نور عينيه، ولكنه يعجز عن فرض سلطانه عليه، وينجح في أن يعمي عيني جسده لا عيني روحه.
ويتجه فاوست كما قدمت إلى النشاط العملي الذي يحقق «التقدم للحشود البشرية»، ولكنه يتبين أن هذا النشاط مستحيل بدون مساعدة مفيستو الفعالة. لقد حلم بأن يشق طريقه نحو الحرية، ويطرد السحر من طريقه، ويقف أمام الطبيعة مجرد إنسان يجد سعادته في كونه إنسانا قادرا على التحقيق العملي لما يراه صحيحا من خلال قوته الخاصة وفاعليته الخاصة وحدها، لكنه يدرك أن ذلك مستحيل بدون مساعدة مفيستو، وأن البديل عن السحر هو العودة اليائسة إلى غرفة دراساته التأملية الكئيبة (ولعله قد أدرك أيضا - فيما يفسر لوكاش - استحالة تطور القوى المنتجة في المجتمع البرجوازي، إلا في ظل الرأسمالية التي يجسد مفيستو استغلالها وطغيانها بالذهب والمال والجنس، ولهذا السبب تظل محاولة فاوست للابتعاد عن السحر محاولة عقيمة، ويبقى حلمه بمستقبل مشرق للإنسانية مجرد حلم. ص148)، ومع أن فاوست - مثله مثل جوته - يحلم بهذا المستقبل؛ لأنه خصم لدود لكل الثورات، فإن محتوى حلمه بالغ الأهمية والدلالة على شخصيته. إنه لا يزال يسعى وراء الأهداف السامية للجنس البشري. ومع أنه قد اكتفى أيضا حتى الآن بتحقيقها في تطوره الذاتي الباطن، فإننا نجده في ختام القصيدة الكبرى يعبر تعبيرا واعيا عن الرغبة في النضال الجماعي الحر من أجل هذه الأهداف. ولهذا نراه في مناجاته الأخيرة مصرا على حلمه العظيم، بينما الواقع يتناقض مع هذا الحلم تناقضا مؤلم السخرية. ففي الوقت الذي يتصور أنه واقف مع الحشود على أرض حرة ذات شعب حر، إذا بأرواح الموتى تحفر قبره بأمر من مفيستو، وهو يظن أنها تحفر قناة تجري بالعنصر المخصب للرمال:
هكذا أفتح الآفاق لملايين كثيرة
अज्ञात पृष्ठ