وأجيب: بأنه إنما يصح هذا دليلا حيث صح أنه ما أجمعوا على ذلك، ولم ينقل إجماع، واستدلال بعضهم لا يفيد لجواز كونه مذهبا له، أعني: أن النهي يقتضي الفساد، ومع هذا الاحتمال لا يستقيم الاحتجاج، وأيضا فإن هذا الاستدلال لو سلم دال على اقتضاء النهي الفساد مطلقا، فأين دليل اقتضائه الفساد في العبادات دون المعاملات؟!، فإن قالوا: إن النهي عن العبادات لا يكون إلا لاختلال شرط من شروطها وركن من أركانها، ولا كذلك النهي عن المعاملات، قلنا: إن الفساد حينئذ باختلال الشرط أو الركن؛ لا باقتضاء نفس النهي له، وذهب قوم إلى أنه إن كان النهي عن الشيء لعين ذلك الشيء؛ فالنهي يقتضي فساده، وإن كان إنما نهي عنه لصفة فيه؛ فلا يقتضي النهي فساده، فمثال ما نهي عنه لذاته: الكفر وبيع الحر، ومثال ما نهي عنه لصفة فيهك كوطء الحائض والصلاة في الأرض المغصوبة والوضوء بالماء المغصوب وفي الإناء المغصوب ونحو ذلك، وهذا معنى قول الناظم: "يدل إن كان ذا النهي" إلى آخره، أي: وقال البعض أن النهي يدل على فساد المنهي عنه إذا كان النهي إنما شرع لذات المنهي عنه لا لصفة فيه، وإن كان إنما نهي عنه لصفة فيه فلا يدل على ذلك، ولا أعلم لهؤلاء حجة على هذا التفصيل، وقيل: إن نهي عن الشيء لكون ذلك الشيء ملكا للغير لم يقتضي النهي الفساد، كما إذا باع ملك الغير فأذن المالك ورضي بالبيع؛ لم يفسد البيع، وإن كان إنما نهي عنه لأجل اختلال شرط، كبيع الغرر اقتضى الفساد .
وأجيب: بأنه قد ينهى عن الشيء لأجل ملك الغير، والنهي مع ذلك يقتضي الفساد، كما إذا باع ملك الغير، ولم يجز المالك، وقيل: إن كان في المنهي عنه توصل إلى إباحة محظور، كبيع الخمر والميتة ونحوهما؛ اقتضى النهي الفساد، وإن كان ليس فيه توصل إلى ذلك فلا يقتضي الفساد.
पृष्ठ 74