أي إذا كان الأمر مقيدا بعدد، كصل ركعة، أو صل ركعتين، أو صل ثلاث ركعات، أو نحو ذلك، أو مقيدا بتأبيد، نحو صوموا أبدا، وصلوا دائما، أو نحو ذلك، فاعتبر ذلك القيد، الذي قيد به الأمر، من عدد أو تأبيد، واحكم على الأمر بما يقتضيه ذلك القيد، فيحكم على قول القائل، صل ركعة، بان المأمور به إنما هو ركعة واحدة، وكذلك القول في صل ركعتين، أو ثلاث ركعات، ونحو ذلك، كثر العدد، أو قل، فيحكم على الأمر بما يقتضيه العدد، وكذلك يحكم على قول القائل، صوموا أبدا، وصلوا دائما، بأن المراد من هذا الأمر، دوام الفعل المأمور به، وكذا يحكم على الأمر المقيد، بكونه إلى غاية، نحو (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فإنه يحكم عليه، بدوام الصيام في تلك المدة إلى الغاية التي قيد بها الأمر، وهذا الذي ذكرته من اعتبار القيد العددي، والأبدي، والحكم على الأمر بما يقتضيه وضع الأمر، ومنهاج اللغة، وهو ثابت في المقيد بالعدد بلا خلاف، وفي الأمر المقيد بالأبد على الصحيح، وذهب أبوا عبد الله البصري، إلى أن الأمر المقيد بالتأبيد، واحتج بما روته اليهود عن موسى عليه السلام، قال لهم: تمسكوا بالسبت أبدا، فإنه لم يقتض الدوام، بل نسخ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقوله تعالى: { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } ثم حكي عن أهل النار، أنهم يتمنون الموت، في قوله تعالىحاكيا عنهم: { ليقض علينا ربك } فلم يقتض الدوام ، (قلنا) عن الأول: أن صاحب المعالم -رحمه الله تعالى- صرح بأن هذا الحديث، الذي روته اليهود عن موسى عليه السلام، هو من الشبهات، التي لقنهم إياهم ابن الراوندي، فمقتضى كلامه -رحمه الله- أنه كذب، والكذب لا يحتج به، وعلى تقدير صحته عن موسى عليه السلام، (فجوابه) أنا لا نمنع من جواز نسخ المؤبد، وإن قلنا بأنه يقتضي التأبيد، فمرادنا، أنه يقتضي ذلك، ما لم يدل دليل على نسخه، ولا يلزم من اقتضائه الأبد استحالة نسخه، والله أعلم، (وعن الثاني) أن
تأبيد كل شيء، إنما هو بحسب ما يقتضيه حال ذلك الشيء، فقوله تعالى: { ولن يمنوه أبدا } إنما هو تأبيد في الحياة الدنيوية، وبزوالها يزول تأبيدها، والدليل على أن التأبيد في الآية للحياة الدنيوية، هو قوله تعالى حكاية عن أهل النار: { قالوا يا مالك ليقض علينا ربك } فظهر من هنا أن قوله تعالى: { ولن يتمنوه أبدا } أي ما داموا في الدنيا، وقد انقرضت الدنيا، فانقرض تأبيدها، على أنا لو شئنا لقلنا: أن مرادنا باقتضاء المفيد بالتأبيد الأبد، إنما هو عند عدم الدليل المانع من اقتضاء ذلك، وههنا قد قام الدليل على عدم اقتضاء التأبيد، وبنفي ما وراء ذلك على قاعدته، وهو اقتضاء التأبيد والله أعلم، ثم أنه أخذ في بيان حكم المقيد بالوصف فقال:
وهكذا مقيد بوصف يعتبر القيد بحسب العرف.
فإن يكن من ثابت الأوصاف أفاد تكرارا بلا خلاف.
وإن يكن من غيره يفد ذلك إلا بدليل قد قصد.
पृष्ठ 49