أي إذا كان الأمر، غير مؤقت بوقت، يكون فعله بعده قضاء، لا أداء، فذلك الأمر، أمر لا يقتضي فورا ولا تراخيا، والمراد بالفور هنا، هو تعجيل إنفاذ الواجب، بحيث يلحق من آخره لذم، والراد بالتراخي، ما يقابل ذلك، وإنما قلنا أنه لا يقتضي فورا ولا تراخيا؛ لأن كل واحد من هذين إنما يعلم بدليل غير الأمر، أما الأمر نفسه، فلا يدل على طلي الفعل، فمهما أتى به المكلف عد متمثلا، سواء كان إتيانه له فورا، أو متراخيا، وذلك كالأمر بالزكاة، والأمر بالحج، فإن الأمر بهما غير مقيد بوقت، يكون فعلهما بعده قضاء أداء، فمتى ما فعلهما المكلف على الوجه المشروع أجزاه، ويصير بذلك متمثلا، (وقيل) أن الأمر المطلق عن المقيد بالوقت، يقتضي الفور، فيجب الامتثال عند الإمكان، ويعصي بالتأخير، ونسب هذا القول إلى كثير من فقهاء وقونا، وكثير من متكلميهم، وهو ظاهر كلام ابن بركة، حيث أوجب تعجيل الحج عند الإمكان، (وقال) الباقلاني من الأشعرية: يقتضي الفور، إما الفعل في الحال، أو العزم في ثاني الحال، وتوقف الجويني، لكن قال: فإن بادر فقد امتثل، وقال بعض القائلين بالوقف، إنه إذا بادر، لم يعلم أنه امتثل لجواز أن يكون منه التراخي، (وقيل) هو موضوع للتراخي، أي يقتضي الوجوب غير مخصص بوقت وقت، فنسب هذا القول إلى أبي هاشم والشافعي وأصحابه، (وقالوا) لو أراد الحكم وقتا بينه، وإلا كان مكلفا بما هو غير معلوم لنا، (وأجيب) بأنه لو كان للتراخي لالتحق الواجب بالنفل، لأنه لا يستحق الذم بالإخلال به في كل وقت، حتى ينقضي عمر المكلف، إذ لا وقت أخص من آخر، فليلحق بالنوافل، (واعترض) هذا الجواب بأن المأمور به، إنما يصح تأخيره، ما دام في العمر مهل، ويتعين فعله آخر العمر، فإن ظهرت له أسباب الوفاة، أو ظن الموت، فضيع المأمور به، استحق الذم بذلك، وصار به آثما، والنوافل ليس كذلك، فإنها لا يأتي عليها حال يصير تاركها فيه آثما، (وتنبيه) اختلف القائلون بالفور في الأمر المطلق، إذا لم يفعل فورا، فقال بعضهم: لا يجب فعله بعد ذلك، إلا بدليل آخر، أي أن الأمر الأول، لا يدل على وجوب فعله بعد التراخي عن فله، فيحتاج عندهم في وجوب فعله إلى دليل آخر، كما كان ذلك في قضاء الموقت، (وقال) الرازي يجب فعله بالأمر الأول، وإن كان للفور؛ لأن تقديره، أفعل في الوقت الأول، فإن لم تفعل فيه، ففي الوقت الثاني، فإن لم تفعل ففي الوقت الثالث، وهكذا إلى أن تأتي حالة لا يمكن انتقال الفعل إلى غيرها، وأنت خبير بأن كلا القولين محتاج إلى دليل، ولا دليل على شيء منهما، فلو قالوا أن الأمر المطلق، لا يدل على فور ولا تراخ، كما قررناه آنفا، لسلموا عن ذلك التكليف، واحتجاجهم على أن الأمر للفور، بما أبدوه من الحجج غير مسلم، وذلك أنهم قالوا: أن السيد لو قال لعبده اسقني ماء فتراخى، عد عاصيا، (وأجيب) بأن ذلك إنما هو لقرينة الحال التي عليها السيد، وهي إرادة الماء حالا، وليس ذلك من الأمر ، (وقالوا) يجب أن يكون الأمر للفور، كما يجب ذلك في نقيضه، وهو النهي، (وأجيب) بأن المطلوب من النهي، هو عدم وجود الفعل، فلو لم يقتض الفور لفات المطلوب منه، والمطلوب من الأمر، هو وجود الفعل، فإذا حصل في أي وقت، حصل في الامتثال، وهاتان الحجتان، أقوى مما عولوا عليه، وقد رأيت ما فيهما والحمد لله، ثم إنه أخذ في بيان حكم المقيد بالعدد والمدة فقال:
وإن يكن مقيدا بعدد ... كمدة أو بدوام الأبد.
فاعتبر القيد الذي عليه دل ... واحكم عليه بالذي فيه نزل.
पृष्ठ 48