***155]
تتميم وتنوير
في أن الإرادة منها محدثه ومنها قديمه
قد تحقق مما سلف أن المشيئة هي ظهور حقيقة الوجود وإطلاقها وسريانها وبسط نورها وسعة رحمتها وأنها بعينها إرادتها في مقام الظهور والتجلي، كما قد تحقق أن مراتب التعينات من العقول المقدسين والملائكة المقربين إلى القوى الطبيعية والملائكة الأرضية المدبرة كلها من مراتب المشيئة وحدود الإرادة في مقام التجلى والفعل، وهذا ألا ينافي لأن تكون لله تعالى إرادة هي عين ذاته المقدسة وهي صفة قديمة، والإرادة في مقام الفعل باعتبار التعينات حادثة زائلة، وإن كانت بمقام إطلاقها أيضا قديمة، لاتحاد الظاهر والمظهر وبهذا ينحل العقدة عما روى عن أئمتنا المعصومين عليهم صلوات الله رب العالمين من أن الإرادة حادثة ومن صفات الفعل لا من صفات الذات.
فمن طريق الشيخ الأجل محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: لم يزل الله تعالى مريدا؟ قال: إن المريد لا يكون إلا المراد معه. لم يزل الله قادرا عالما ثم أراد.
وفيه أيضا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: المشيئة محدثة.
ومن المستبين أن المراد بهذه الإرادة والمشيئة هي الإرادة في مقام الظهور والفعل، كما يشهد به قوله في رواية أخرى: "خلق الله العالم بالمشيئة والمشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة ".
وفي أخرى عن أبي الحسن عليه السلام: "الإرادة من الخلق الضمير وما يبدء لهم بعد ذلك من الفعل. وأما من الله فإرادته أحداثه".
فكما أن العلم له مراتب منها مفهوم مصدري ومنها عرض ومنها جوهر ومنها واجب قائم بذاته موجود لذاته كذلك الإرادة.
وأما تخصيص المشيئة بأنها محدثة ومن صفات الفعل، وتخصيص العلم والقدرة بأنهما قديمتان ومن صفات الذات مع أنهما من واد واحد بعض المراتب منها محدثة وبعضها قديمة فباعتبار فهم السائل والمخاطب، فإن السؤال في العلم والقدرة عن الصفة الذاتية لتوجه الأذهان إليها فيهما بخلاف الإرادة، فإن السؤال عن المشيئة المتعلقة بالأشياء الخارجية والجواب على مقدار فهم المخاطب ومقام عرفانه.
पृष्ठ 134