[مذهب السلف في الأسماء والصفات]
فالذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف «١» ولا تعطيل «٢»، ومن غير تكييف «٣» ولا تمثيل «٤» فإنه قد علم بالشرع مع العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٥»، وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا «٦» قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ «٧»
_________
(١) التحريف هو التغيير وإمالة الشيء عن وجهه. يقال: انحرف عن كذا إذا مال، وهو نوعان:
النوع الأول: تحريف اللفظ وهو العدول به عن جهته إلى غيرها إما بزيادة كلمة أو حرف أو نقصانه أو تغيير حركة، كقول أهل الضلال في قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [سورة طه، الآية: ٥] أي استولى فزادوا في الآية حرفا. وكقولهم في قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ [سورة الفجر، الآية: ١٦٤] أي أمر ربك فزادوا كلمة، وكقولهم في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا [سورة النساء، الآية: ١٦٤] بنصب لفظ الجلالة فغيّروا الحركة الإعرابية من الرفع إلى النصب.
النوع الثاني: تحريف المعنى وهو العدول به عن وجهه وحقيقته وإعطاء اللفظ معنى لفظ آخر كقول المبتدعة: إن معنى الرحمة إرادة الإنعام، وإن معنى الغضب إرادة الانتقام.
(٢) التعطيل لغة الإخلاء، يقال عطله أي أخلاه، والمراد به هنا: نفي الصفات عن الله ﷾.
والفرق بين التحريف والتعطيل أن التحريف هو نفي المعنى الصحيح الذي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح، والتعطيل هو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال له بمعنى آخر كفعل المفوضة، وكل محرف معطل وليس كل معطل محرفا.
(٣) التكييف هو تعيين كيفية الصفة، يقال: كيّف الشيء إذا جعل له كيفية معلومة، فتكييف صفات الله تعالى هو تعيين كيفيتها والهيئة التي تكون عليها، وهذا لا يمكن للبشر لأنه مما استأثر الله تعالى بعلمه فلا سبيل إلى الوصول إليه- لأن الصفة تابعة للذات- فكما أن ذات الله لا يمكن للبشر معرفة كيفيتها، فكذلك صفته سبحانه لا تعلم كيفيتها.
ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ فقيل له: يا إمام الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [سورة طه، الآية: ٥] كيف استوى؟ قال ﵀: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهذا يقال في سائر الصفات.
(٤) التمثيل: هو التشبيه بأن يقال: إن صفات الله مثل صفات المخلوقين كأن يقال: يد الله كأيدينا وسمعه كسمعنا- تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا- فالله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الشورى، الآية: ١١] فلا يقال في صفاته أنها مثل صفاتنا، أو شبه صفاتنا أو كصفاتنا، كما لا يقال إن ذات الله مثل أو شبه ذواتنا.
فالمؤمن الموحد يثبت الصفات كلها على الوجه اللائق بعظمة الله وكبريائه. والمعطل ينفيها أو ينفي بعضها، والمشبه الممثل يثبتها على وجه لا يليق بالله وإنما يليق بالمخلوق.
(٥) سورة الشورى، الآية: ١١.
(٦) سورة مريم، الآية: ٦٥.
(٧) سورة البقرة، الآية: ٢٢.
1 / 41