وقد كف قوم من أصحاب رسول الله ﷺ فما روى أن أحدًا منهم منع من المسجد. وقد نقل في الأخبار أن " ابن أم مكتوم " - وكان اسمه عمرًا فسماه رسول الله ﷺ: عبد الله - شكا إليه مجيئه للمسجد وكان بعيد الدار، وبينه وبين المسجد أشب، أي شجر ملتف. فلم يرخص له ﷺ في ذلك. - وابن أم مكتوم من المهاجرين، عامر بن لؤي، واسم أم مكتوم " عاتكة ابنة عبد الله ابن عنكثة بن عامر بن مخزوم ".
أو ليس " أبي بن كعب " كان يقرىء الناس القرآن " في مسجد رسول الله ﷺ؟ والمسلمون بعد مجمعون على أن الأعمى مندوب إلى حضور الجماعات إذا كان يقدر على ذلك. وقد روي عن " أبي حنيفة " أنه كان يكره إمامة الأعمى، والناس على خلافه. " والإمامة لعمري غير الدخول، ولو سمع هذه الحكاية عنك أضراء المساجد الذين يقرئون فيها القرآن ويلقنونه الناس، لابتهلوا عليك في أعقاب الختمات، فلقيت من العقوبة ما يتعوذ من قليله الكفرة والمؤمنون. ولو علم هذا منك قوم يتوسلون في المساجد يخبطون الأرض بالعصى، لوقفوا لك في بعض طرقك وخبطوك بعصيهم خبط الراعي السلمة، فما أجدر دمك عند ذلك أن يكون فزغًا جبارًا؛ ولديها تنسى ما لقيت من وبيل الغلام الغارم الذي يستأجر لسوقك.
ثم أضفت إلى دعواك هذه، أنه كان لا يمنع أن تلقى البساطة على الضرير. ولو بلغت هذه المقالة رجلا في هذه البلدة وهو ضرير حنزقر أعجر قد جعل له " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - جراية في وقف الجامع " بمعرة النعمان " فخظى وبظى وقويت نفسه ونفذ عزمه، لقعد لك في بعض المضايق ومعه عرزجلة عجراء، هي في العصى مثله في الناس قصيرة غليظة، فاستقبلك بها لبنًا وبزرًا بزرًا وهو يرتجز بصدر هذه الآية:
ليس على الأَعمى حَرَجْ ... ولا على الأَعرجْ حَرَجْ
وتحمله الرغبة في إقامة الوزن على أن يسكن جيم حرج وجيم الأعرج.
فأما تسكين جيم حرج، فكما تسكن الحروف في القوافي. وأما تسكين جيم الأعرج، فضرورة، كما " قال الشاعر:
إِنك لو باكرتِ مشمُولةً ... حمراءَ مثلَ الفرسِ الأَشقَرِ
رُحْتِ وفي رِجْلَيْكِ ما فيهما ... وقد بدا هَنْكِ من المِئْزَر
وإنما قلت: يرتجز بصدر هذه الآية، لأن أشياء في الكتاب الكريم قد استعان بها الشعراء في النظم، ففيه آيتان متصلتان حذفت منهما لام واحدة، ووصلهما " الحكمى " بالوزن الخفيف فقال:
أَرَأَيتَ الذي يُكذبُ بالدينِ ... فذاكَ الذي يَدُعُّ اليتيما
وآية أخرى إذا حذف منها إن، أمكن أن توصل بالضرب الأول من السريع فقال:
يا أَيها الناسُ اتَّقُوا ربَّكم زلزلةُ الساعةِ شيءٌ عظيم
ويحك! ألم يكفك أنك ادعيت كراهته لدخول الأعمى المسجد، حتى جعلته لا يمنع أن تلقى السباطة على الضرير؟ فإن كان مؤمنًا فكيف يأمر بذلك؟ وإن كان كافرًا فغير هذا الصنيع يجب أن يكون عقوبة للكافر.
والعجب كل العجب لهذا التضرير، له جزء في ملكك وهو يسمع خبط حوافرك والنبأة من شحيجك في ليل ونهار، كيف لا يزجرك عن هذه المقالة إن كان قد علمها منك؟ وكيف يصل إلى علم تكل؟ هيهات هيهات! ولو علم كان ضعيفًا ركيكًا خليقًا أن يحتمل كل ضيم وأن يصبر على كل أذاة. وبعض من لا يعرفه من العامة يظن أنه من أهل العلم. كذبت الظنون، لو كان كذلك لولب من حضرة " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - لأنه كما قيل في المثل: لا مخبأ لعطر بعد عروس.
ولكنه، المسكين لا يبهج لثناء يكذب عليه.
وزعمت أنه كان يجيز التيمم من التراب وعليه أبوال البغال. فمن حدثك هذا؟ أبغل أسنده لك عن بغل؟ لا اختلاف بين الفقهاء أن بول ما لا يوكل لحمه ليس بطاهر. وإنما جاءت الرخصة في أبوال الإبل، أفحسدتنا على ذلك يا لعين؟ أليس رسول الله ﷺ أمر العرنيين أن يخرجوا إلى الإبل فيصيبوا من أبوالها وألبانها؟ والعرب إلى اليوم فيهم من يشرب أبوال البكرات في الربيع من غير علة دعتهم إلى ذلك. أذكرت ما ذكرت ليفتخر به رهطك، وإنهم من ذلك الفخر لبرآء؟
1 / 36