وذكرت أنه أحل قتل الأعرج والأعرج في الحرم. وما ذنبهما حتى يقتلا؟ أليس " أبو الأسود الدؤلي " من علية أصحاب " علي " ﵁؛ ولا اختلاف أنه كان أعرج. والعرجان في العرب أكثر من أن يحصوا في الجاهلية في الإسلام، ما أحل العرج لهم دمًا ولا أباح منهم محظورًا. ولو بلغ قولك هذا رجلًا يعرف بالأعرج يخدم في العرصة، لما أغفلك من مكافأة. وأقل ما يخشى منه أن يأخذ من فنادق العرصة ما قدر عليه من ذي بطن الفارة، فيجمعه في ردنه، فيلقيه في معلفك.
وزعمت أنه قطع يد الفيل على السرق. فمن فتح لك هذه الطرق من الكذب؟ والذئب والثعلب يسرقان منذ كانا، وهما ذليلان خسيسان ما قطعت أيديهما على ذلك. فكيف تقطع يد الفيل، والأسد يستخذي منه؟ وإنه ليكون في الجحفل العظيم فلا يكون هنالك أعز منه، وإنما يحضر لنصرة الملوك، والسرق من أخلاق السفلة. وكيف يسرق الفيل ولو غصب أجل قائد في العسكر لنفذ له الحكم عليه؟ والحيوان إذا قدر على الغصب لم يعرض للسرق. فبعدًا لك! لم يقنعك أن تكذب على نفسك ونظائرك وصغار الدواب، حتى كذبت على أعظم دابة تعرف.
لو علم بهذه الزلة أبو دغفل لما غفل ولو أضاع الدغفل.
وكيف تفرق من الكذب على الفيل وقد كذبت على " علي " ﵇ وولده الصالحين؟ وزعمت أنه كان يلعن البقرة ولا يقول في الثور إلا خيرًا. فترب لك وجندل! ما الذي جنته البقرة حتى يلعنها أمير المؤمنين؟ أليست أم الثور وأخته وابنته؟ فكيف وجب له خير منعت منه، وهي ألين عريكة وأذل نفسًا وأقل جناية بالقرن؟ أليست تكرب الأرض مع الثور وتشاركه في جر النيارج، ولا تمتنع من أعمال الآدميين؛ وربما حمل عليها الراكب في السفر فبلغته ما يريد؟ وأحسبك من جهلك ذهبت إلى بقرة بني إسرائيل التي أمرهم " موسى " أن يذبحوها في القصة المعروفة. فإن كانت تستوجب اللعنة لأن ذبحها مأمور به، فقد وجبت اللعنة على " كبش إبراهيم " وعلى عتائر الناس ب " منى " في أنواع النسك من التطوع وجزاء قتل الصيد وما يفعله المحرم من لبس ثوب أو مس طيب.
إني لأرى قي قراح على طريقك إذا انصرفت، باقرًا ترتع، ولو علمت إناثه بدعواك لعمدت لك في روحتك بصياصيها المذلقة فرحت إلى مربطك وما في جسدك عضو إلا وهو كسير أو دام. هذا إن سلمت من إتيانها على نفسك. أفحسبت " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " أطال الله بقاءه - كان يعدي على البقر وقد بلغه الحديث المروي: " العجماء جبار "؟ ولعلك تظن في نفسك أنك يقاد بك، وهيهات، لا قود في البهائم إلا أن يقتل بعضها بعضًا في المعترك فتكون دماؤهن هدرًا. ولذلك قالوا في الممثل: " باءت عرار بكحل " وهما بقرتان كانتا في الدهر الأول. ولو أقيدت بقرة ببغل لسب من يفعل ذلك كما سب " ربيع العامري " فقيل فيه:
شهدتُ بأَن اللهَ حقٌّ لِقاؤه ... وأَن ربيعَ العامريَّ رقيع
أَقادَهمُ كلبًا بِكلبٍ ولم يَدَعْ ... دماءَ كلابِ المسلمين تضيعُ
والبقرة خير منك، لأن لحمها يتقرب به إلى الله سبحانه فتجزيء عن سبعة. ولي الفضيلة عليها إذ كنت مطية الصالحين، لأني أجزيء عن سبعة أيضًا، وأنا أكثر بضيعًا منها. فأما لحمك فرجس نجس إنما يرغب فيه كلب أو نحوه.
وزعمت أنه كان يأكل الصقر. وقد علم ربك بطلان ما تذهب إليه. أ " علي " ﵇ يفعل ذلك وقد جاء " محمد " ﷺ بتحريم سباع الطير صقرها وبازيها وعقابها وغير ذلك من الصوائد؟ ولم يكفك ادعاؤك أنه كان يأكل الصقر حتى زعمت أنه كان يعلم البازي أخلاق الصالحين. وما نعلمه علم طائرًا شيئًا من ذلك. وكيف صار البازي أولى بتعلم صالح الشيم من الشاهين والحمامة وغيرهما من الطير الوادعة المتظاهرة بترك الشرور؟ وكيف زويت هذه المنفعة عن الديك وهو وأسرته يتوارثون الأذان من عهد " بلال بن رباح " ولا يزال مؤذن منهم في أوقات الصلوات ما بقي في الأرض إسلام؟ أليس في الحديث الذي يحكى عن " العزيز " أن الله اختار من البهائم الضائنة ومن الطير الحمامة ومن الشجر الحبلة؟ والديك لا يرتاب في أنه من صلحاء الطير.
ألم تبلغك تلك الحكاية أن امرأة سمعت قول الشاعر:
وكأْسِ عُقَارٍ يَحْلِفُ الديكُ أَنها ... لدى المزجِ، من عينيه أَصفَى وأَنْوَرُ
فقالت: الديك من صلحاء الطير ولم يكن يحلف إلا صادقًا؟
1 / 37